تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا هو الفسوق، وهو أيضا نوع خطير من كفران النعم كما بينت، ويأتي بعده العصيان، وهو يكون ممن يطيع أحيانا ويعصي أحيانا، مع هذا إذا كانت المعصية موجودة، فإنها كذلك تمنع بقدر وجودها حصول الأمن عند العاصي، سواء كان فردا أو جماعة أو أمة، ويصير مانعا من حصول حال الأمن، وهذه النقطة في غاية الأهمية لأنها تشير تلقائيا إلى كيف نكتسب الأمن وكيف نقي أنفسنا من خطر انعدام الأمن.

النظرة الخامسة:

إنه حين يوجد الأمن توجد أشياء أخرى معه، وترافقه خيرات وبركات، نجد آيات تتحدث عن هذا المعنى، منها قوله تعالى: ?ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان? [النحل:112] وقوله عز وجل ?أول لم نمكن لهم حرما آمنا تجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون? [القصص:57].

فمع وجود الأمن في قلوب الأفراد وفي المجتمع تأتي خيرات ويقع ازدهار اقتصادي، وتقع حركة نشيطة في التجارة، واليوم نرى أن الأماكن والمناطق التي يضطرب فيها الأمن، يفر المقاولون الكبار بأموالهم منها ولا يستثمرون فيها على سبيل المثال، بينما إذا حدث العكس فإنهم يطمئنون على أموالهم ويتحركون بأمان، فهذا الازدهار الاقتصادي وهذه الراحة النفسية التي تكون للناس تجعلهم يمارسون حياتهم في اطمئنان كامل، آمنين على أموالهم وعلى أعراضهم وعلى أنفسهم، ويقع السلم الاجتماعي العام.

إذن أيها الأحبة باختصار، هذه النعمة التي اسمها الأمن، هي نعمة مشروط وجودها بوجود الإيمان وبوجود العمل الصالح، وترتفع تلقائيا إذا وجد العكس. فإذا أحببنا أن ننعم حقا بالأمن، ـ الذي قلت من قبل إنه لا يتبعض هو في القلب وحينما نقول في القلب فهو تلقائيا يمتد إلى باقي الجوارح وإلى جميع الجسد على القاعدة المشهورة التي أشار إليها رسول الله ? بقوله: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) [جزء من حديث النعمان بن بشير المتفق عليه].

وما حدث في زماننا هذا من الحديث عن أنواع كثيرة من الأمن، جعله كتاب الله عز وجل حالة واحدة إما أن تكون وإما أن يكون عكسها، وهو الخوف والفزع والقلق والاضطراب والحيرة والبأس ... وغيرها مما ذكر الله تعالى في كتابه، فيمكن إذن أن نخلص إلى أمر هام، هو أن هذه النعمة العظيمة التي هي الأمن إذا أردنا أن ننعم بها حقيقة، فإن علينا أن نتوب توبة نصوحا أفرادا وجماعات في مختلف أقطار الأمة، أن نعود إلى القرآن ونتوب إلى الله عز وجل، ونؤمن حق الإيمان، ونشتغل بما كان يشتغل به رسول الله ?، أي نمارس حياتنا في إطار شرع الله عز وجل، إذا كان ذلك كذلك، جاءت العزة بالاستخلاف في الأرض، وجاء ما يعقبها من التمكين في الأرض، وجاءت النعمة الكبيرة الأخيرة الثالثة وهو تبديل الخوف القائم الآن في جميع أنحاء الأمة الإسلامية تبديل ذلك أمنا.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يكرمنا بهذه النعمة، ويكرمنا بأسباب وجودها، ويكرمنا بسبب استمرارها والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير