ـ[علي المعشي]ــــــــ[16 - 09 - 2008, 06:48 ص]ـ
والذي أذهب إليه أن النحويين قد أخطأوا حين عدوا (أيها) منادى وكان الأولى عندي أن يكتفوا بالقول بأنها وصلة للنداء وينبغي أن يعدوها من اللفظ الذي لا محل له من الإعراب. وقد يحتج بأنّ (أيّ) معربة اللفظ فهي ترفع وتنصب وتجر، والجواب عندي أن إعرابها ليس سوى إعراب شكلي لا أهمية له، وليس بلازم أن تحتل وظيفة الأسماء في الجملة بسبب تغير حركة آخرها، وينبغي أن يكون المعنى المقصود في الجملة مقدمًا على الناحية اللفظية، فأنت تليها ياء النداء وليس غرضك نداءها ولا معنى لندائها بل غاية ما أردت أن تتوسل بها لنداء المحلى بأل، وكأنها تركبت مع أداة النداء حتى صارت أداة النداء (يا أيها). وقد يسأل عن الضمة ما علتها والجواب أن كل معرب، عندي، الأصل فيه الضم، ويخرج عن الضم إلى الجر أو النصب لعلة، ولا حاجة لتفسير علة الضم ما دامت هي أصل حركة المعربات، ولذلك لا حاجة لتفسير رفع المبتدأ والخبر ولا الفاعل. ولما كانت (أي) في النداء وصلة لا محل لها من الإعراب عندي جاءت مضمومة على الأصل. وأما المقصود بالنداء فلا يصح أعرابه صفة لأن الصفة يجوز حذفها.
أستاذي الكريم أ. د. أبا أوس حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حتى لا أتهم بالتحجر أوالتعصب للقديم لقدمه وحسب، أؤكد لكم أن من أهم ما أنا مقتنع به أن العلم لا حدود له، وأن علماءنا الأوائل قد أناروا لنا الطريق باجتهادهم لكن لا بد من خلل أو نقص، وأن في علمائنا ومجتهدينا المعاصرين من هو قادر بعد توفيق الله أن يكمل النقص أو يصحح الخطأ، أو يضيف جديدا.
لهذه القناعات يسعدني مثل هذا الطرح ولا سيما حين يكون صاحبه من أهل العلم الأكفياء القادرين على البحث والتمحيص والموازنة ودقة الاستنتاج مثلكم، هذا من حيث المبدأ، أما ما يتعلق بهذه المسألة خاصة فإن لي بعض إشارات سأطرحها مع التعليل دونما اكتفاء بمجرد أن النحاة قالوا كذا، آملا أن يتسع لها صدركم الرحب وصدور الإخوة كما عرفتكم وعرفتهم، ويسرني أن أتقبل ما يقال في شأنها، وإليكم ما لدي:
1ـ لا أخالفك في أن (أي) وصلة لنداء المحلى بأل، وأن المحلى بأل هو المقصود بالنداء، لكن هذا وحده لا يسوغ جعلها غير ذات محل، لأنها هنا شابهت الموصول حين يتوصل به إلى نعت المعرفة بالجملة مثل: (أكرمت الرجل الذي زارني) فالنعت المقصود هو (زارني) ولكن لأن المعرفة لا توصف بالجملة جيء بـ (الذي) وهو مبهم مفسر بجملة الصلة التي هي صفة الرجل في المعنى، ومع ذلك أعرب الموصول نعتا وهو غير مقصود، لكنه لما كان مع صلته بمنزلة الكلمة الواحدة جاز ذلك، ولو طبقنا عليه ما طبقته على (أي) لقلنا إن (الذي) لا محل له من الإعراب وإنما هو وصلة لوصف المعرفة بالجملة، ولأعربنا جملة الصلة نعتا لأنها المقصود. وعليه لا يحسن الاقتصار على المعنى وحده في الإعراب وتجاهل الناحية اللفظية، وإنما ينبغي التوفيق بين المعنى واللفظ والصناعة النحوية.
2ـ وأما جواز حذف الصفة فالاسم المحلى بأل بعد (أي) في النداء وإن كان صفة إلا أنه بمنزلة صلة الموصول فلا يصح حذفه، وأي مع صفتها بمنزلة الكلمة الواحدة فلا يصح الاستغناء عن الصفة هنا كما لا يصح الاستغناء عن صلة الموصول، لذلك صح أن تعرب (أي) منادى مع أنها غير مقصودة كما صح إعراب الذي صفة في المثال السابق مع أنه غير مقصود. يدلك على أن (أيها الرجل) بمنزلة الكلمة الواحدة وليس (يا أيها) بمنزلة الكلمة الواحدة أنك لا تستطيع الاستغناء عن أي ولا عن الرجل، ولكنك تستطيع الاستغناء عن (يا) والاكتفاء بـ (أيها الرجل).
أضف إلى ذلك أن هناك مواضع مشابهة لا يجوز فيها حذف الصفة وذلك حينما تكون الصفة مقصودة كصفة الخبر الموطئ مثل: (كان الدرس درسا نافعا) فخبر كان الحقيقي هو (نافعا) لكنه يعرب صفة ويعرب موصوفه خبرا، وكذلك صفة الحال الموطئة مثل: (إنا أنزلناه قرآنا عربيا) عند من يرون (عربيا) صفة، فالحال على هذا هو (عربيا) لكنه أعرب صفة وأعرب (قرآنا) حالا، ولا يصح حذف الصفة هنا لفساد المعنى بدونها، وعليه لا يعد جواز حذف الصفة جوازا مطلقا.
3ـ قلتم أستاذي:
والعلم داخل في المفرد والإنسان داخل في المفرد
وما دمتم ترون المنادى العلم المفرد، والمحلى بأل بعد أي (منادى) لهما حكم واحد لكونهما من نوع واحد هو المنادى المفرد، فلتأذن لي بهذه الموازنة:
أنتم ترون أن (الرجل) في قولك (يا أيها الرجل تفضل) هو منادى من حيث الإعراب وأن أي لا محل لها من الإعراب، فما رأيكم أن نطبق عليه بعض أحكام تابع المنادى التي أقرها النحويون بناء على الاستعمال العربي المؤيد بالشواهد؟
من أحكام تابع المنادى غير أي واسم الإشارة أنه إذا كان مضافا إضافة محضة وكان نعتا أو توكيدا أو عطف بيان وجب نصبه مثل: (يا زيدُ جارَنا تفضل) (مع ملاحظة أن النصب هنا ليس على المدح أو الذم) فبم تفسرون امتناع نصب (جار) في: (يا أيها الرجل جارنا تفضل) ما دمتم ترون المنادى في (يا أيها الرجل) هو الرجل وليس (أي)؟ أليس حقه النصب لأنه تابع للمنادى الذي تراه (الرجل) كما انتصب حين كان تابعا للمنادى (زيد)؟ ألا يدل عدم سماع النصب عن العرب في هذا الموضع على أن (الرجل) ليس منادى كزيد؟ وأن الفرق بين الوجوب والامتناع هنا يدعو إلى التساؤل؟
ملحوظة: من النحاة من يجوّز النصب هنا لكنه تجويز نظري مردود إذ لا شواهد عليه، وإنما تبنى الأحكام النحوية على استقراء الشواهد.
كانت هذه بعض النقاط التي عنّت لي بعد قراءة الموضوع، والله يحفظكم ويرعاكم.
تحياتي ومودتي.
¥