[هل أصبح النحو بضاعة كاسدة؟]
ـ[خنساء الأوراس]ــــــــ[12 - 09 - 2008, 11:31 ص]ـ
:::
هل أصبح النحو بضاعة كاسدة
لا أحد من ذوي العقول السليمة والآراء السديدة ينكر ما للنحو من قيمة في ضبط الكلام العربي، وهو كما قال عبد الحميد الكاتب موصيا الكتاب بتعلم النحو معبرا عنه بالعربية " ثم العربية فإنها ثقاف ألسنتكم." ....... نعم ليس هناك بد لتسوية اعوجاج الألسنة وانحراف الأقلام إلا النحو، وها نحن اليوم نفاجؤ بين منكر له ومستثقل لحركاته، فهل من مغيث؟
سمعنا في عصور مختلفة وفي أقطار متباينة عن ذئاب تعوي منادية بتخليص الكلام العربي من أسر قواعد النحو ولكننا مع تقصيرنا وجهلنا كنا نتفطن إلى حقدهم الدفين وكيدهم المتين الذي لم يستثقل ضمة على فاعل ولا فتحة على مفعول ولا كسرة على مضاف وإنما ما أقض مضاجعهم لغة قوية متينة بحفظها يحفظ كتاب الله الحبل المتين الذي إن اعتصمنا به واهتدينا بنهجه كنا خير الأمم.
إن هؤلاء المنادين وإن كانوا من أبناء يعرب إلا أن عقوقهم كان جليا فهم قد رضعوا ألبانا فاسدة فسدت بها فطرتهم وقل وفاؤهم، وصاروا أبواقا نافخة بما لا تعرف معناه، وما لا تدرك خطره.
ليس هذا فحسب بل الأمر الذي يهتك حجب الرشاد أنّ حملة الثورة على النحو استشرى صداها وأصبح يرددها أبناء أمتنا لا من الأميين أو المتواطئين وإنما من المتمدرسين والطلاب من تلاميذ المدارس الابتدائية إلى طلاب الدراسات العليا، والأمر الذي لا يقدر على تحمل أذاه عاقل أن يمس الخطب طلاب الجامعة الذين سيحملون راية تعليم اللغة العربية للأجيال فيما يأتي من الأيام، وهم طلبة شعبة الأدب واللغة العربية، فإنك سترى عجبا إن طلبت من أحدهم أن يعرب جملة أو أن يكتب موضوعا، أوراق كصحائف العصاة تنوء بالذنوب، أوراقهم مثقلة بالأخطاء بجميع أنواعها، تتأذى العيون وتشمئز النفوس وتنفر الأذواق السليمة من رؤيتها، وليس لك من سبيل إلا أن تسمعها وتراها على مضض مغلف بصبر المعلم وحلم المربي.
النحو حلية الكلام وصاحب الفطرة السليمة ينفر من اللحن حتى وإن لم يكن من أهل الاختصاص وأكثر من أن يكون حلية للكلام وزينة لصاحبه هو سياج وحصن حصين للغة العربية، فبربك قل لي ما الفرق بين الكلام الفصيح وغيره إلا سلامة تركيب الأصوات وسلامة تركيب الألفاظ، فإن سكن المتكلم أواخر كلامه ليسلم فإنه قد نزل من الفصاحة إلى اللحن، وشتان بين هذا وذاك؟؟؟ فكيف به إذا خرق القواعد وخبط خبط عشواء بين ضروب الكلام كناقة عمياء سائرة في دامس الظلام.
من لي برجال كانت تشيب مفارقهم عند اعتلاء المنابر مخافة اللحن؟ أوبرجال تسهر أعينهم لحل مسألة نحوية مستعصية خشية شماتة الأقران؟ وإذا بنا نصدم اليوم بأبنائنا يهترون جهلا واستهزاء: وما الفرق يا أستاذ بين رفع الفاعل ونصبه وما الضرر إن نصبنا؟ الفرق يا أبنائي أن الأمة ترفع فاعلها إذا كانت صانعة قرارها متحكمة في زمام أمورها، أما إذا قيدت كما تقاد البهائم العجماء إلى مرابطها فلا ضرر في النصب والجر في هذا الموضع أولى.
أقول لهؤلاء وأولئك "تمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" لغة قوية تملك أسباب الحياة في نفسها، وتولد جينات التجدد والاستمرار من ذاتها ولن يضعف بنيتها مكر الليل والنهار، ونسألهم إن كانوا قادرين على التغيير والتبديل في آيات القرآن وسوره، إنهم لن يحاولوا وإن حاولوا فسيهزمون بإذن الله "ومكر أولئك هو يبور" لماذا؟ لأنه منزل من لدن حكيم خبير أنزله وتولى حفظه "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" وبحفظ القرآن تحفظ العربية.
لكن هي أمانة ومن باب أداء الأمانة للتاريخ لا بد من اتخاذ الأسباب والاجتهاد ورفع راية الجهاد للدفاع عن اللغة العربية وعن النحو العربي الذي ليس تغيرا يلحق أواخر الكلم وإنما حركات تضبط بحسب ضبط المعاني والدلالات فإن اختلت الحركات اختلت المعاني، وضل المتكلم عن الصواب وضل السامع عن الفهم، وأكرم برسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى إرشاد رجل لحن في كلامه، وأكرم به عبقريا الذي قال: "لا يقرأ القرآن إلا عالم لغة" والأكيد أنه لم يقصد قصر القراءة على سيبويه وأمثاله، وإنما فيه حث على تعلم ما نحفظ به سلامة قراءتنا لكتاب الله، ولا يصل إلى ذلك الحد من الفهم وإدراك خطورة الأمر إلا عبقري لم يُر أحد يفري فريه.
أقول لنفسي وإخوتي وأبنائي الطلبة ليست قواعد النحو إلا حدا فاصلا بين الكلام العربي الفصيح وغيره فبه نصون ألسنتنا ونصوب أقلامنا ونحفظ كتابنا ونؤدي الأمانة التي سلمت لنا، فلو استثقل أسلافنا النحو وقواعده لما وصلت إلينا لغتنا العربية التي نحبها ونعتز بها ونباهي بروعتها وجمالها سائر الأمم، ولما وصل إلينا القرآن الكريم مع أنه محفوظ من لدن حكيم خبير، أو بالأحرى لما وصلنا إليه ولو بالفهم اليسير، ولحالت بيننا وبينه أسوار من العجز عن فهم معاني الألفاظ والتراكيب والتعابير المباشرة والمجازية.
¥