ما أحسنَ زيدًا!
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[07 - 10 - 2008, 04:10 م]ـ
هذا مثال على إحدى صيغتي التعجب المشهورتين (ما أفعله وأفعل به). وحين سأل سيبويه أستاذه الخليل عن (ما) قال إنها بمعنى (شيء) والمعنى: شيء جعل زيدًا حسنًا. وعلى هذا القول تعرب (ما) مبتدأ خبره الجملة الفعلية المؤلفة من فعل فاعله ضمير مستتر يعود إلى (ما) والاسم مفعول به منصوب. ومن الغريب أن النحويين تلقفوا هذا القول بالقبول واستمروا يرددونه تغليبًا لمذهب البصريين، والملاحظ أن تفسير الخليل ينقل الجملة من التعبير الإنشائي وهو (التعجب) إلى التعبير الخبري، بل لعل بعضهم قد جزم بخبرية هذا التركيب أو كاد حين اشترط في جملة صلة الموصول أن تكون خبرية خالية من معنى التعجب فلا تقول: جاء زيد الذي ما أحسنه. وأما الكوفيون فلم يتابع البصريين منهم سوى الكسائي أما جمهرتهم فذهبوا إلى أنَّ (ما) استفهامية، وقولهم هذا يجعل الجملة في مكانها من الإنشاء ولا ينقلها إلى الإخبار، وهو قول جيد في نظري. ولكن الكوفيين أفسدوا على أنفسهم قولهم هذا حين عدوا (أحسن) اسمًا مستدلين بتصغير (ما أميلحه). والقول عندي أن التعجب وهو إحساس بالدهشة الدافعة إلى السؤال عن العلة والسبب، فأول ما تبادر إليه وقد أعجبك فعل صاحبك أن تسأله كيف فعلت ذلك؟ وترى الشيء يعجبك حسنه فتسأل عن علة الحسن وسببه حين تقول: ما أحسنه؟ فالمعنى: ما الذي جعل هذا الشيء حسنًا؟ فما سؤال عن الفاعل والفعل مفرغ من الفاعل لأنه مجهول مسؤول عنه والاسم مفعول به.
ولست بقولي هذا أزعم أن جملة "ما أحسن زيدًا" جملة استفهامية لا تعجبية بل الذي أقصده أنها في أصلها كانت استفهامية ثم كثر استعمال هذا الاستفهام بين يدي التعجب حتى تنوسي الاستفهام واستقر التعجب وبمعنى آخر أن الجملة خرجت من الاستفهام إلى التعجب. وليس هذا بغريب فالجملة الخبرية تنتقل بالتنغيم من الإخبار إلى الاستفهام كما قال الكميت:
طَرِبتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطرَبُ ... ولاَ لَعِبًا مني وذُو الشَّيبِ يَلعَبُ
فقوله "وذو الشيب يلعب" صارت بتنغيمها تنغيمًا خاصًّا جملة استفهامية إنكارية، ولست مع النحويين في زعمهم حذف همزة الاستفهام. وقد ورد الاستفهام الذي يدل على التعجب في القرآن الكريم في قوله تعالى ?فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ? [الواقعة:8] وقوله تعالى ?الْحَاقَّةُ*مَا الْحَاقَّةُ? [الحاقة:1 - 2]. فليس غريبًا أن تكون صيغة التعجب هذه جملة استفهامية في أصلها خرجت من الاستفهام إلى غرض آخر متصل به وهو التعجب. وبسبب خلوصها للتعجب وإن كان أصلها الاستفهام ساغ أن تستعمل في تعابير لا تصلح للاستفهام مثل قولك: ما أعظم الله، وما أكرمه. فلا يتصور أن يكون السؤال من أحد: ما الذي جعل الله عظيمًا؟ ولا ما الذي جعله كريمًا؟ ومثل هذا القول يفسد على الخليل وسيبويه والنحويين من بعدهم
القول بأن (ما) بمعنى (شيء) إذ لا يصح القول: شيء أعظم الله.
ـ[ضاد]ــــــــ[07 - 10 - 2008, 04:24 م]ـ
أشكرك أستاذي الفاضل على ما تفضلت به. لم يقنعني هذا التفسير وإن كنت أثمن لك محاولة الرجوع إلى أصل التركيب. أرى أن هذه من القوالب التركيبية التي يمكن أن يكون لها أصل انحازت عنه لتستقل بذاتها وتصبح غير قابلة "للاختراق التفسيري" كما يمكن أن تكون قابلة للتفسير التركيبي, ومن الصنفين كثير. وهناك قوالب معنوية وهي التي لا يتغير لفظها ولا تركيبها مثل "هلم جرا". ولي عودة حسب تطور النقاش بإذن الله.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[07 - 10 - 2008, 04:52 م]ـ
أشكرك أستاذي الفاضل على ما تفضلت به. لم يقنعني هذا التفسير وإن كنت أثمن لك محاولة الرجوع إلى أصل التركيب. أرى أن هذه من القوالب التركيبية التي يمكن أن يكون لها أصل انحازت عنه لتستقل بذاتها وتصبح غير قابلة "للاختراق التفسيري" كما يمكن أن تكون قابلة للتفسير التركيبي, ومن الصنفين كثير. وهناك قوالب معنوية وهي التي لا يتغير لفظها ولا تركيبها مثل "هلم جرا". ولي عودة حسب تطور النقاش بإذن الله.
أشكرك أخي ضاد لسرعة مبادرتك، ولعل عدم القناعة يكون طريقًا للبحث عن تفسير آخر أجدى، وأنا لست بمقتنع كل القناعة بهذا التفسير ولكني رأيت طرحه لأني غير مقتنع بالتفسير المتداول الذي تعرفه، وأنا معك كذلك أن في العربية تراكيب جامدة تعسر على التفسير المقنع، ولكن ما الحيلة سوى المحاولة للوصول إلى أقرب تفسير يمكن قبوله، وأنا في انتظار اجتهادك واجتهاد أخوتي المنتدين. وفق الله كل مجتهد.
ـ[ضاد]ــــــــ[07 - 10 - 2008, 04:56 م]ـ
بوركت أستاذي الفاضل. ربما نبدأ البحث عن تفسير بتحديد ماهية "أحسن" في الجملة. أهي فعل أم صيغة تفضيل من "حسن"؟ وكيف نفعل إذا كانت الصفة لا تقبل صيغة تفضيل؟ ماذا نقول للتعجب من مرض مستفحل؟
ما ... استفحالَ\استفحالِ هذا المرضِ\المرضَ.
¥