استدراك في إعراب قوله تعالى (إنَّ هذان لساحران)
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[27 - 09 - 2008, 07:50 ص]ـ
كنت عددت (إنّ) في قوله تعالى ?إنَّ هذان لساحران? مهملة غير عاملة، ولم أكن أعلم أني قد سبقت إلى هذا القول حتى راجعت كتاب الأستاذ الدكتور أحمد مكي الأنصاري (الدفاع عن القرآن ضد النحويين والمستشرقين) فقد عقد فصلا طويلاً (ص56 - 103) بحث فيه إعراب الآية الكريمة، ورأيت أن أنقل إلى أحبابنا طرفًا من ملحوظاته الرائعة لينسب القول لأهله وليتعلم من يتوهم أنه أوتي الحجة أن مجال القول واسع. قال في ص58:
"عمل (إنّ):
1 - تنصب الاسم وترفع الخبر وهذا هو الرأي المشهور.
2 - تنصب الجزأين معًا (1) كقول الشاعر (إن حراسنا أسدا) (2).
3 - ترفع الجزأين معًا –وهو الذي اختاره أستاذنا المرحوم إبراهيم مصطفى استنادًا إلى هذه الآية (3)، وإلى حديث نبوي شريف (4)، وإلى بعض الأشعار (5) تطبيقًا للنظرية القائلة: إن الضمة علم الإسناد (6) وإن الفتحة ليست علامة إعراب (7). كما أن سيبويه ذكر هذه اللغة في الكتاب حيث قال: "وروى الخليل أن ناسًا يقولون (إنّ بك زيدٌ مأخوذٌ) (8).
وقال في ص66 تحت عنوان تعقيب:
"وهناك ملحظ آخر، وهو أن هذا المثال الذي رواه الخليل عن العرب فيه دلالة واضحة على أن بعض العرب يرفع الجزأين بعد (إنّ) فلا تعمل النصب في الاسم كما هو معروف ... لكن هذه اللغة قليلة ... ولذلك قال سيبويه "والنصب أكثر في كلام العرب" (9).
ومهما يكن من شيء فإنها لغة يمكن أن يستند إليها أستاذنا المرحوم إبراهيم مصطفى- وقد فعل ... حين قال: "الضمة علم الإسناد (10)، والفتحة ليست علم إعراب" (11) لكن النحاة البصريين –وعلى رأسهم الخليل بن أحمد- قد نغصوا عليه هذه الفرصة الذهبية ... وأخذوا يتأولون، ويخرجون هذا الشاهد بما يتفق مع القاعدة التي وضعوها ... فقدروا اسم (إنّ) ضميرًا محذوفًا كما رأيت".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر همع الهوامع شرح جمع الجوامع للسيوطي ص134 - الطبعة الأولى سنة 1327ه.
(2) همع الهوامع ص 134، والدرر اللوامع ص112 طبع الخانجي.
(3) ?إنَّ هذانِ لساحران? طه 63.
(4) (إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون).
(5) انظر إحياء النحو ص66 وكتاب سيبويه 1: 290.
(6) راجع إحياء النحو، ص53 فما بعدها طبع سنة 1959.
(7) المصدر السابق، ص79 فما بعدها.
(8) راجع الكتاب 1: 281.
(9) الكتاب 1: 282.
(10) إحياء النحو، ص53.
(11) المصدر السابق، ص87.
ـ[ضاد]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 12:59 ص]ـ
أشكرك أستاذي الفاضل على هذه المعلومة القيمة جدا. وأنا أقرأ موضوعك تذكرت أسئلة كانت دائما ما تخطر على بالي, وهي:
هل كل اللغات (بمعناها القديم) العربية في الفصاحة سواء؟ وفي الصحة سواء؟ أي, هل يمكن اعتبار كل لغة على ما فيها قادرة أن تقوم بذاتها واختلافها بأن يتكلم بها أحد أو يستعملها اليوم أحد فلا يكون مخطئا في العربية؟ هل كان الاختلاف اختلاف تنوع أو تضاد؟ هل خطأ العرب بعضهم بعضا لاختلاف في اللغة؟
أرجو أن لا أكون أثقلت عليك.
بوركت.
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 06:17 ص]ـ
أشكرك أخي ضاد لطلطفق بقراءة هذه الإضافة والحرص على استمرار النظر في قضايا الاستعمال اللغوي.
ولعل حال لغات العرب (لهجاتهم) هو حال اللغات همومًا هي على قدر واحد من حيث وفاء اللغة بأداء أغراض أهلها. وأما نوع الاختلاف فليس من شأنه أن يكون اختلاف تضاد حتى جمعت اللهجات فرأيت أن اللفظ قد يذكر أو يؤنث ورأيت الصرفيين يجيزون الإمالة لأن من اللهجات ما يميل ومنها لا يميل. أما أن العرب يخطئ بعضهم بعضًا فهذا غير وارد لأنه يعلم أنه مختلف عن الآخر، وليس من الإنصاف أن يجعل لغته معيارًا يقيس بها لغات الآخرين، إلا ما يقع من قبيل الغفلة أو التندر على نحو ما نشهده اليوم في التنوع اللهجي العربي. وإن بين اللهجات في القديم والحديث من الوضوح المتبادل ما يكفل أمر تفاهم أصحابها ولعل هذا في القديم ما جعل عربية مشتركة تجلت في أعلى مظاهرها في الشعر الجاهلي ثم في نزول القرآن بها.
تقبل تحياتي وكل عام وأنتم بخير.
ـ[حرف]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 10:45 م]ـ
أستاذي أبا أوس: تعلمُ أنَّ كثيرًا من النحاة أوَّلوا ما ورد مرفوع الجزأين بعد أحد الحروف الناسخة بتقدير اسم الحرف النَّاسخ ضميرًا، أو أنْ يجعلوه على لغة من يلزم المثنى الألف في جميع أحواله، أمَّا على التأويل الأول ففي تتمَّة كلام سيبويه ما ظاهره الردَّ على هذا حيث ذكر أنَّ من يريد الإضمار عليه أنْ يخفِّف وقد نقل عنه ذلك ابن السرَّاج فقال: " وزعم الخليل: أن هذا يشبه قول الفرزدق:
(فَلَوْ كُنْتٌ ضَبِّياً عَرَفْت قَرَابتي ... وَلَكِنَّ زِنجيٌ عَظِيمُ المشافِرِ)
قال سيبويه: والنصب أكثر في كلام العرب كأنه قال: ولكن زنجياً عظيم المشافر لا يعرف قرابتي ولكنه أضمر هذا.
قال: والنصب أجود لأنَّه لو أراد الإِضمار لخفف ولجعل المضمر مبتدأ كقولك: ما أنت صالحاً ولكن طالح: وتقول: إن مالاً وإن ولداً وإن عدداً أي: إن لهم مالاً والذي أضمرت (لهم) ... " (الأصول في النحو 1/ 247)
والله أعلم.
¥