[(أيها) لا محل لها من الإعراب]
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[14 - 09 - 2008, 05:06 م]ـ
من بين استعمالات (أيّ) أنها تستعمل لنداء الاسم المحلى بـ (أل) الدالة على الجنس كقوله تعالى: ?يَا أَيُّها النَّاسُ? [21 - البقرة]، فلو ناديت علمًا كالحارث لحذفت (أل) ولم تتوصل لندائه بأيها، تقول: يا حارثُ. وعلى الرغم من تقرير النحويين أن (أيّها) وصلة للنداء وأن ما بعدها هو المقصود بالنداء نجدهم يعربونها منادى. وهم حينئذ يعدونها نكرة مقصودة؛ ولذا بنيت على الضم كما تبنى النكرة المقصودة عند ندائها، مثل قولك لصديقك وأنت تحاوره: يا صديقُ، فصارت النكرة لما قصد بها فرد محدد مثل العلم، كأنك تقول: يا زيدُ. فهي من حيث اللفظ نكرة (صديق) وهي من حيث القصد معرفة لأنه يُقصد بها (زيد) الذي تخاطبه. ولكن المتأمل يحس الفرق بين النكرة المقصودة التي كالعلم والنكرة المقصودة في زعم النحويين (أيّها). والفرق من حيث الإبهام، فـ (أيها) مبهمة، هكذا وصفها سيبويه؛ ولذا قرر أنك لا تستطيع الاكتفاء بها عند النداء ولا الوقف عليها، فلا تقول: يا أيها، وتسكت، بل لابد لك من القول: يا أيها الرجلُ؛ لأن الرجل هو المقصود بالنداء. ويجعل النحويون (أيّها) المبنية على الضم في محل نصب. وقد أجاء النحويين قولهم هذا إلى الزعم بأن المقصود بالنداء (الرجل) وصف لـ (أيّ)، ولكنه واجب الضم لأنه المقصود بالنداء، ففي ضمه هذا تنبيه إلى أنه المقصود بالنداء. ولكن المازني رأى أن الضم ليس بواجب فأجاز النصب كأن تقول: يا أيها الرجلَ، والمازني حين أجاز لم يعتمد على سماع يقاس عليه بل قاس مسألة على مسألة أخرى (شرح ابن عقيل، 3: 269)، وتفسير ذلك أن المنادى المفرد متى نعت جاز في نعته الضم متابعة لضم المنادى وجاز فيه النصب متابعة لمحل المنادى، فتقول: يا زيدُ الكريمُ، بالضم متابعة لضمة (زيد) ويكون الوصف في محل نصب، أو تقول: يا زيدُ الكريمَ، متابعة لنصب زيد محلاً.
والذي أذهب إليه أن النحويين قد أخطأوا حين عدوا (أيها) منادى وكان الأولى عندي أن يكتفوا بالقول بأنها وصلة للنداء وينبغي أن يعدوها من اللفظ الذي لا محل له من الإعراب. وقد يحتج بأنّ (أيّ) معربة اللفظ فهي ترفع وتنصب وتجر، والجواب عندي أن إعرابها ليس سوى إعراب شكلي لا أهمية له، وليس بلازم أن تحتل وظيفة الأسماء في الجملة بسبب تغير حركة آخرها، وينبغي أن يكون المعنى المقصود في الجملة مقدمًا على الناحية اللفظية، فأنت تليها ياء النداء وليس غرضك نداءها ولا معنى لندائها بل غاية ما أردت أن تتوسل بها لنداء المحلى بأل، وكأنها تركبت مع أداة النداء حتى صارت أداة النداء (يا أيها). وقد يسأل عن الضمة ما علتها والجواب أن كل معرب، عندي، الأصل فيه الضم، ويخرج عن الضم إلى الجر أو النصب لعلة، ولا حاجة لتفسير علة الضم ما دامت هي أصل حركة المعربات، ولذلك لا حاجة لتفسير رفع المبتدأ والخبر ولا الفاعل. ولما كانت (أي) في النداء وصلة لا محل لها من الإعراب عندي جاءت مضمومة على الأصل. وأما المقصود بالنداء فلا يصح أعرابه صفة لأن الصفة يجوز حذفها.
ـ[ضاد]ــــــــ[14 - 09 - 2008, 05:55 م]ـ
بوركت أستاذي الفاضل وزادك الله فضلا وعلما.
ذكرتني هذا الموضوع الذي خرجتُ منه حزينا ككل مرة أدخل فيها نقاشا لسانيا في هذا المنتدى.
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=34130
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[14 - 09 - 2008, 08:06 م]ـ
بوركت أستاذي الفاضل وزادك الله فضلا وعلما.
ذكرتني هذا الموضوع الذي خرجتُ منه حزينا ككل مرة أدخل فيها نقاشا لسانيا في هذا المنتدى.
http://www.alfaseeh.com/vb/showthread.php?t=34130
أخي ضاد
كأننا نتكلم بلسان واحد ونفكر بعقل واحد، منذ أيام قلائل سلمت للمجلة الثقافية وهي ملحق صحيفة الجزيرة الموضوع القادم لزاويتي عندهم (مداخلات لغوية) وأما الموضوع فهو أن الأصل في المعرب من الأسماء والأفعال الرفع، ومنذ بدأت التدريس وأنا ألقن طلابي أن مذهب الكوفيين في أن (إن) تعمل في اسمها فقط. قد نختلف في بعض التفصيلات ولكن التوجه واحد.
أنا سعيد بأمثالك ممن يعملون عقولهم وأما ما تلقاه من جفوة المناقشين فقد واجهت منه ما واجهت ولكنها كلمة الحق كما نراها سنقولها ما استطعنا.
بوركت أخي.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[14 - 09 - 2008, 08:34 م]ـ
شكر الله تأملك أستاذنا أبا أوس .. وحقيقة الأمر أن مسألة التوسل بـ"أي" لنداء ما فيه أل
مسألة جاءت لتبرير القصد في النداء، ولا حجة للنحويين في جعلها منادى إلا من باب التبرير لمسألة إيصالها بالمنادى المقصود .. ولا أراني إلا مقتنعا بتأملك فأدام الله عليك التأمل النافع الذي يصب في اللجة ..
أما عن أخي وصديقي ضاد، فلا أراه إلا واعيا بما يقدم عليه لا سيما وأن اشتغاله باللسانيات يكفل له نظره المتأمل حينا، والمستفسر حينا آخر، وإن كان قد لامس جفوة فلا أحسبها إلا من باب الخروج عن المعتاد، وإلا يا سيدي فما اللسانيات إلا بوتقة تحتضن اللغة أيا كانت ..
شكرا لك مجددا أستاذنا، وشكرا لك عزيزي ضاد
نفع الله بتأملكما
¥