لا توكيد في (أنَّ) المفتوحة
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[19 - 09 - 2008, 11:14 م]ـ
ثمة فرق أساسيّ بين (إن) المكسورة و (أن) المفتوحة؛ فالأولى تكون متصدرة لجملة مستقلة فتقول: إنّ زيدًا كريم، وأما الثانية فتكون متصدرة لجملة غير مستقلة بل هي جزء من جملة أخرى وتؤلف مع جملتها مصدرًا مؤولاً له محل من الإعراب فقد يكون فاعلا نحو: أعجبني أنّ زيدًا كريم، أو مفعولا نحو: عرفت أنّ زيدًا كريم والمعنى: أعجبني كرمُ زيد، وعرفت كرمَ زيد.
وعلى الرغم من هذا الفرق الأساسي نص النحويون [حسب المرادي] على أن المفتوحة تفيد التوكيد كإنّ المكسورة. ولكنه ذكر أن بعضهم استشكل ذلك. وحجتهم قوية في نظري لأنهم يقولون:"لأنك لو صرحت بالمصدر المنسبك منها لم يفد توكيدًا". وردّ المرادي قولهم ولكنه لم يدل بحجة.
ويبدو أن هذا الإحساس بالفرق بين الحرفين جعلهم يختلفون في أصالة المكسورة والمفتوحة كليهما فذهب سيبويه ومن تابعه إلى أن المفتوحة فرع المكسورة، وقيل إن المفتوحة هي الأصل والمكسورة فرع عليها، وقيل هما أصلان. وهو ما أرجحه. وأما الذين ذهبوا إلى فرعية المفتوحة فإنما ذهبوا إلى ذلك لأن المكسورة تفيد عندهم معنى واحدًا، وهو التوكيد. والمفتوحة تفيد التوكيد، وتعلق ما بعدها بما قبلها. فكانت فرعًا. ولست أرى هذه الحجة قوية لأن المفتوحة ليس فيها عندي توكيد بل هي رابطة لجملتها بما قبلها، ولذلك تأتي في سياقات لا تلائم التوكيد مثل: جهلت أنك قادم، وأنكر زيد أنه كاذب. ولو أنها للتوكيد لجاز حذفها لأن المؤكدات زائدة على الجملة المثبتة، تقول: زيد قادم، ثم تؤكد باللام: لزيد قادم.
واستعمال المكسورة نفسها في لغتنا اليوم قد فارق دلالة التوكيد فشاع استعمالها في جمل لا تحتاج إلى توكيد. فإذا كان هذا هو شأن المكسورة فإن المفتوحة أبعد من التوكيد. وينبغي أن ننظر إليهما على أنهما حرفان مختلفان. وأما من يحتج بأن المفتوحة تكسر إن فصلت بجملتها عما قبلها فتقول في أعجبني أنّ زيدًا قادم: إنّ زيدًا قادم. وهذا القول غير لازم لأن الجملتين قبل ربط بعضهما ببعض هما: أعجبني/ زيد قادم. فلمّا أردنا أن نجعل (زيد قادم) فاعلا للفعل (أعجب) أدخلنا (أن) للربط وتحويل الجملة إلى مصدر. ويؤيد ما أذهب إليه أنه إن جاز أن تكون الجملة المؤكدة بإن فاعلا ومفعولا كما زعموا أفلا يجوز أن تكون الجملة المثبتة غير المؤكدة فاعلا أو مفعولا؟ بل أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وهو أن الجملة المؤكدة بإنّ ينبغي تجنب تغييرها فإذا أردت جعلها مفعولاً به مثلاً قلت: عرفت إنّ زيدًا قادم. أي: عرفت هذا الأمر. ولذلك قد ترد إن مكسورة ومفتوحة مع فعل واحد ومن شواهد هذا الاستعمال قوله تعالى:?وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ? [التوبة:107] بكسر إنّ، وقوله تعالى: ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ? [آل عمران:18] بفتحها. قال المرادي:"ويجوز الفتح والكسر في كل موضع، يجوز فيه تأويلها بمصدر وعدم تأويلها به".
ـ[مسعود]ــــــــ[20 - 09 - 2008, 01:03 ص]ـ
دكتور أبا أوس،
قال ابن آجروم في مشكل إعراب القرآن في إعراب سورة التوبة: "كُسرت همزة إن لوجود اللام في الخبر. "
فهل هذا يعني أن همزة (أن) لا تُكسر إلا إذا كان يوجد اللام في خبرها؟
تحية طيبة.
ـ[أنوار]ــــــــ[20 - 09 - 2008, 02:24 ص]ـ
أشكر لكم أستاذنا الفاضل ماتقدمتم به ..
ولقلة علمي إزاء علمكم .. إلا أني أرجح ما تفضلتم به .. وذلك لأن مواطن (إنّ وأنّ) تتجلى واضحة في سورة الجن .. و ربط (أنّ) للجمل ..
جوزيتم خيراً ..
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[20 - 09 - 2008, 02:43 ص]ـ
دكتور أبا أوس،
قال ابن آجروم في مشكل إعراب القرآن في إعراب سورة التوبة: "كُسرت همزة إن لوجود اللام في الخبر. "
فهل هذا يعني أن همزة (أن) لا تُكسر إلا إذا كان يوجد اللام في خبرها؟
تحية طيبة.
أخي مسعود
اللام التي تدخل على خبر (إنّ) هي في الأصل لام الابتداء وحقها التصدر في الجملة: لزيد كريم. فإذا دخلت (إنَّ) تركت اللام مكانها وزحلقت إلى الخبر. ومعنى هذا أن اللام المزحلقة لا تكون إلا مع (إنَّ)، حتى إذا خففت (إن) جاءت اللام في خبرها ليعلم أنها مؤكدة لا نافية ولذا يسمونها هنا اللام الفارقة.
وقد تأتي الجملة في سياق فعل قلبي (ظننت أنَّ زيدًا كريم) فإن علق الفعل القلبي عن الجملة باللام لأن أصلها التصدر في جملة ابتدائية ومعنى ذلك أن الجملة غير مربوطة بالفعل السابق بل لها استقلالها الداخلي فوجب أن تصدر بإن المكسورة.
والخلاصة أن وجود اللام في الخبر علامة على كسر إن.
ولست أميل إلى القول بتحول الجملة (ظننت أن زيدًا كريم) إلى ظننت إن زيدًا لكريم. ولكن الجملة الأصلية زيد كريم ثم يدخل الفعل، على طرائق مختلفة:
ظننت زيدًا كريمًا
ظننت أن زيدًا كريم
ظننت إن زيدًا لكريم
¥