تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقد ذهب المبرد، وابن السراج، والأخفش الأصغر، وطائفة من الحذاق، والسهيلي، إلى أنها لا تكون إلا لابتداء الغاية، وأن سائر المعاني التي ذكروها راجع إلى هذا المعنى؛ ألا ترى أن التبعيض من أشهر معانيها، وهو راجع إلى ابتداء الغاية. فإنك إذا قلت: أكلت من الرغيف، إنما أوقعت الأكل على أول أجزائه، فانفصل. فمآل معنى الكلام إلى ابتداء الغاية. وإلى هذا ذهب الزمخشري))

فإن أخذنا بقول الزمخشري في أن (من) لابتداء الغاية لنا فما معنى أن يستعمل مع (بعد).نجد الوجه الأسلوبي بعد استقراء كثير من آيات القرآن التي تستعمل هذا

الأداء:

(الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ) السورة البقرة آية 27

فإذا وجدت مفارقة منطقية في ما قبل (بعد) وما بعدها فاعلم أنه أولى الأساليب ب (من) ومن الآية السابقة نكتب على طريقة الرياضيين:

(ميثاق) و (نقض) اقتضت (من بعد)

فكأن (من) استعملت هنا لتصرح بما يلي:

من الممكن أن نجد قوماً ينقضون المواثيق ولكن انتبه أيها السامع أن الغرابة في

سلوك هؤلاء أن بداية نقضهم للمواثيق كانت بعد ميثاقه.

(ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) السورة البقرة آية 56

(موت) و (بعث) اقتضت (من بعد)

(وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا) السورة البقرة آية 109

(كفر) و (إيمان) اقتضت (من بعد)

وهذا الأسلوب عام في كتاب الله وحتى يتسنى لك تمييزه لا بد لك أن تقارنه مع الآيات التي لا تستعمل (من) مع (بعد):

(فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) البقرة آية 181

(يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ) البقرة آية 75

في الآية الثانية (تحريف) و (تعقل) اقتضت (من بعد)

أما السماع في الآية الأولى لا يشترط تعقلاً ولا يحمل معنى المفارقة المنطقية ذاته الذي دلت عليه الآية الثانية.

وإذا تأمل القارئ فيما يلي:

(وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) البقرة آية 120

(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ) البقرة آية 145

له أن يتساءل: لماذا انفردت الآية الثانية باستعمال (من) مع أن كلا الآيتين تحملان المفارقة المنطقة ذاتها ,فلماذا لم تنطبق قاعدتنا:

(اتباع الهوى) و (علم) اقتضت (من بعد)

والجواب أن الآية الثانية عبرت عن تناقض غريب بين سلوك قد تتبعه وبين جبلتك التي جبلت عليها:

(ما أنت بتابع قبلتهم-بجبلتك-) و (اتبعت هواهم-ومنها قبلتهم-) & szlig; ( من بعد)

وإذا عدنا لآيات إحياء الأرض بعد موتها علمنا أن إظهار التناقض أولى ما يكون في معرض الجدل والبرهان ,وهنا استعمل (من) ليثبت لهم الفاعل:

(إحياء الأرض) و (موت الأرض) اقتضت (مرجح هو الله)

أما بقية الآيات فليست سوى استعراض لقدرة الفاعل بعد أن اعترفت له العقول

وإذا ما استمعنا لنستمع إلى مايقوله الطاهر بن عاشور في آيات إحياء الأرض وحيثية استعمال من في آية العنكبوت وجدناه يلمس هذا المعنى البلاغي فيقول: (ولما كان سياق الكلام هنا في مساق التقرير كان المقام مقتضيا للتأكيد بزيادة) من (في قوله) من بعد موتها (إلجاء لهم إلى الإقرار بأن فاعل ذلك هو الله دون أصنامهم فلذلك لم يكن مقتضىً لزيادة) من (في آية البقرة، وفي آية الجاثية (فأحيا به الأرض بعد موتها))

أعده: يزن الجيرودي

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير