إن المشاركين في مجالس الزجاجي يرجعون غالبا عند الاستشهاد على صحة آرائهم إلى القرآن الكريم، ولا يكادون يرجعون إلى الحديث الشريف، كما أنهم يرجعون إلى شعر العرب الذين يحتج بلغتهم، ويرجعون إلى كلام العرب الفصحاء، وربما كانوا في زمن يمكنهم فيه أن يأتوا بأعرابي فصيح ليحكم بينهم.
مصادر المجالس:
من المصادر التي جمع منها الزجاجي ما جاء في مجالسه الرواية مشافهة عن شيوخه، أو الاطلاع على بعض الكتب الموجودة عنده.
رواة المجالس:
يسند الزجاجي بعض مجالسه إذا وصلت إليه عن طريق السماع لمن سمعها منهم، كأن يقول: "حدثني" أو " أخبرنا " أو نحوهما، ومن الذين روى عنهم: أبو إسحاق الزجاجي، ومحمد اليزيدي، وعلي بن سليمان الأخفش، وأبو بكر الخياط، ومحمد الصولي، وابن شقير، وأبو القاسم الصائغ، وأبو جعفر الطبري، ومحمد بن الحسن بن دريد، وأحمد بن عمرو الحنفي، وأحمد بن عبدالله بن مسلم بن قتيبة، وغيرهم.
المشاركون في المجالس:
شارك في مناقشة مسائل المجالس خلق كثير، منهم الخلفاء كعبد الملك بن مروان وابنيه الوليد وسليمان وهم من الخلفاء الأمويين، والمأمون وهو خليفة عباسي.
و شارك الفقهاء كعامرالشعبي، و أبي حنيفة، والقاضي أبي يوسف صاحبه.
وكذلك الرواة وعلماء العربية ومنهم: الأصمعي، والضبي، وحماد الراوية، وابن العلاء، والخليل، ويونس، وسيبويه، والكسائي، والفراء، والمبرد، والمازني، ويعقوب الحضرمي، والرياشي، وثعلب، والزجاج، وغيرهم.
كما شارك الشعراء كالفرزدق، والكميت، ونصيب، وذي الرمة، ورؤبة بن العجاج، والطرماح، وبشار بن برد.
موضوعات الكتاب:
إن (مجالس الزجاجي) كتاب موسوعي، يحتوي على معارف منوعة، ومسائل مختلفة، ففيه علوم القرآن، والفقه، والأنساب، والشعر، ولكنه منصب بصفة خاصة على اللغة، والنحو، والصرف، وفيما يلي أمثلة على ما سبق:
1ـ مجالس في علوم القرآن الكريم:
وهي مجالس قليلة، ومنها مجلس في تفسير قوله تعالى: " مثل الجنة التي وعد المتقون "، وكان بين أبي عمرو بن العلاء ومقاتل بن سليمان.
وهناك مجلس في قراءة " بُرآء " في قوله تعالى: " إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم "، ودار بين المبرد وثعلب.
2ـ مجالس في الفقه:
مثل مجلس دار النقاش فيه حول حكم النبيذ، وكان بين عبد الله بن إدريس الأودي الذي يحرمه، و يحيى بن آدم الذي يحلله.
ومجلس بين أبي حنيفة وأبي عمرو بن العلاء، وكان أبو حنيفة يبطل القود إلا ما كان قتلا بحديد، فأخذ أبو عمرو يراجعه في ذلك.
3ـ مجالس في الأنساب:
ومنها مجلس في المفاخرة بين العجم والعرب، وانتصر فيه أعجمي يسانده أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي على أحد الأعراب.
وكذا مجلس في التفاخر بين مضر واليمن، وكان بين مضري ويمني، وانتصر فيه أبو عمرو بن العلاء للمضري.
4ـ مجالس في الشعر:
وهي مجالس للمقارنة بين شاعرين، كمجلس فضل فيه الوليد بن عبد الملك النابغة الذبياني، وفضل أخوه سليمان بن عبد الملك امرأ القيس، واحتكما إلى أحد الأعراب، وانتصر لمن فضل امرأ القيس بعد أن سمع الأعرابي شعرهما.
أو لبيان عيوب بعض الشعراء ومناقشتهم فيها، كمجلس دافع فيه بشار بن برد عن شعره لما عابه خلاد بن المبارك.
أو ما جرى بين المأمون والنضر بن شميل في ذكر أفضل بيت في غرض ما، كبحثهما عن أخلب بيت، وأقنعه، وأنصفه مما قالت العرب.
أو لبيان مسألة في العروض، كمجلس دار بين محمد بن زياد الأعرابي والحسين بن الضحاك حول الخزم في بيتين لطرفة بن العبد وامرئ القيس.
5ـ مجالس في اللغة:
وهي مجالس لبيان معاني بعض الكلمات، ومنها ما دار بين الأصمعي والمفضل في الفرق بين (الجَذَع) بالذاء، و (الجَدِع) بالدال، وكان الأصمعي يفرق بين معنى الكلمتين، ولم يكن الضبي يرى ذلك.
وكذلك معنى كلمة (رؤبة)، ودار بين شبيل الضبعي و يونس، وقد بين الأخير أربعة معان لها إن لم تكن مهموزة، فإن همزت فلها معنى خامس.
وهناك مجلس سأل فيه رجل معتوه أبا عمرو بن العلاء عن سبب تسمية الخيل بهذا الاسم، فأفحم أبو عمرو، فأخبره المعتوه أن ذلك لاختيالها في مشيتها.
ومنها مجلس جري بين أبي عمرو بن العلاء والأصمعي في التفريق بين معنى (الشعف) بالعين، و (الشغف) بالغين.
¥