جزاك الله خيراً
ـ[صالح أحمد]ــــــــ[28 - 03 - 06, 07:19 م]ـ
مع احترامي لجميع الأراء إلا أن الصواب فيما أري و الله أعلم أن عنعنة الأعمش مقبولة ما لم يثبت التدليس.
قال عبد الله الجديع في كتابه (تحرير علوم الحديث):
(و المذاهب المعتبرة لأهل العلم في حديث المدلس الذي لا يذكر فيه السماع تحصر في الأربعة التالية:
.....
......
والمذهب الثالث: رد رواية من شاع عنه التدليس واشتهر به وكثر منه، حتى يبين سماعه صريحاً. دون من ذكر به، ولم يعرف له كبير أثر على صحة حديثه وروايته في الجملة، فهذا يقبل حديثه وإن عنعن فيه، من أجل ضعف مظنة التدليس، خصوصاً وأن حديث الراوي معروض في العادة على المعروف من حديث الثقات المتقنين، فلدينا بهذا الاعتبار ميزان لكشف أثر تدليسه إن وجد.
كذلك يقال كما سبق: التدليس قدح نسبي في الراوي، مظنته فيمن استقرت ثقة ولم يكثر منه شبيهة بمظنة خطئه، فمع احتمال وقوع ذلك منه، إلا أن روايته مقبولة ما لم يثبت خطؤه فيها.
وعلى هذا المذهب في التحقيق عمل الشيخين، وعليه دلت عبارات كبار أئمة الحديث)
و قال:
(الترجيح:
من خلال ما تقدم عرضه من مذاهب أهل العلم فإنه لا ينبغي العدول عن المذهب الثالث، الذي جرى عليه عمل الشيخين.)
و قال:
(وقد ذهب جماعة من متأخرين الحفاظ إلى تقسيمهم إلى خمس طبقات:
الأولى: من لم يوصف به إلا نادراً، بحيث إنه لا ينبغي عده فيهم، مثل: يحيى بن سعيد الأنصاري، وهشام بن عروة.
والثانية: من احتمل الأئمة تدليسه، واحتج به أصحاب الصحيح وإن لم يبين السماع، لإمامته، أو قلة تدليسه، أو لكونه لا يدلس إلا عن ثقة، مثل: الزهري، والأعمش، وسفيان الثوري.
قلت: الإمامة ليست معياراً لقبول حديثه لو كان كثير التدليس، فابن جريج إمام، لكن لا تقبل عنعنته لكثرة تدليسه، سوى ما يرويه عن عطاء والتفسير عن مجاهد.)
ـ[صالح أحمد]ــــــــ[28 - 03 - 06, 07:31 م]ـ
عبارات أئمة الحديث المرجحة للمذهب الثالث كما ذكرها الجديع في نفس الكتاب:
(قال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى من معين عن التدليس؟ فكرهه وعابه، قلت له: أفيكون المدلس حجة فيما روى؟ أو حتى يقول: (حدثنا) و (أخبرنا)؟ فقال: " لا يكون حجة فيما دلس " (656).
قلت: فابن معين هنا لا يشترط بيان السماع لقبول حديث المدلس، وإنما هو لديه مقبول، إلا فيما ثبت أنه دلس فيه.
وقال يعقوب بن شيبة: سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس، أيكون حجة فيما لم يقل: (حدثنا)؟ قال: " إن كان الغالب عليه التدليس فلا، حتى يقول: حدثنا " (657).
قلت: فجعل غلبة التدليس على الراوي هي السبب في رد ما لم يبين فيه السماع، دون من لم يغلب عليه وكان يذكر به نادراً.
وكأن من هذا صنيع أحمد بن حنبل في توقفه في قبول رواية لهشيم بن بشير، وهو معروف بالتدليس مشهور به، فقد قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: " حديث ابن شبرمة: قال رجل للشعبي: نذرت أن أطلق امرأتي، لم يقل فيه هشيم: أخبرنا، فلا أدري سمعه أم لا " (658).
كذلك قال أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الرجل يعرف بالتدليس يحتج فيما لم يقل (سمعت)؟ قال: " لا أدري "، فقلت: الأعمش، متى تصاد له الألفاظ؟ قال: " يضيق هذا، أي: أنك تحتج به " (659).
قلت: فهذا د ل على توقف أحمد في قبول عنعنة المدلس في حال، وقبولها دون توقف في حال أخرى، فحال التوقف ينبغي أن تحمل على عنعنة من اشتهر أمره بالتدليس وكثر ذلك منه كهشيم، أما من ذكر به وكان كثير الحديث الصحيح المتصل، وشق تتبع ذكره للسماع في كثرة ما روى وندرة أثر ما ذكر به من التدليس، كالأعمش، فهذا يحتج به.
لكن يجب أن يقيد بالقول: ما لم يثبت أنه دلس فيه.
ومن ذلك قول البخاري: " لا أعرف لسفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن سهيل، ولا عن منصور _ وذكر مشايخ كثيرة _ لا أعرف لسفيان هؤلاء تدليساً، ما أقل تدليسه " (660).
وقال مسلم بن الحجاج: " وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم، إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقدون ذلك منه حتى تنزاح عنهم علة التدليس " (661).
وقال يعقوب بن سفيان: " حديث سفيان وأبي إسحاق، والأعمش، ما لم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة " (662).
قلت: وقد جهدت لأقف لأبي حاتم الرازي أو صاحبه أبي زرعة على حديث أعلاه بمجرد العنعنة من موصوف بالتدليس، فلم أجد، وإنما وجدتهما في شيء قليل يحيلان التهمة بنكارة الحديث على عنعنة المدلس، حيث لم يبين السماع، ولا ريب أن هذا أولى من تخطئة الثقة أو الصدوق أو حمل النكارة في الرواية عليه. وتارة لثبوت التدليس في الحديث المعين (663)، كما رأيت أبا حاتم توقف في بعض الأسانيد خشية التدليس لغلبة المظنة (664).
وجائز حمل عبارة ابن عبد البر على هذا المذهب، حين قال بعد أن ذكر الاتفاق على الإسناد المعنعن: " إلا أن يكون الرجل معروفاً بالتدليس، فلا يقبل حديثه حتى يقول: حدثنا، أو سمعت، فهذا ما لا أعلم فيه خلافاً " (665).
ولما ذكر ابن رجب مذهب الشافعي في رد خبر المدلس بوقوعه في التدليس مرة، قال: " واعتبر غيره من أهل الحديث أن يغلب التدليس على حديث الرجل " وذكره عن علي بن المديني (666).)
¥