ثانياً: أما نقاشه لسند الرواية فلم يجد فيها سوى (علوان بن داود البجلي) ضعفه، والعلة هي أن الرجل (منكر الحديث) عن العقيلي والذهبي وابن حجر.
أقول:
أولاً: الكاتب أغفل توثيق ابن حبان له (2)، والأحرى به أن ينقل الموثقين بضميمة الجارحين إن سلمنا بكون ما ذكره جرحا.
ولعل الكاتب يشكل علينا، إن ابن حبان من المتساهلين في التوثيق.
وهذا الإشكال مدفوع بقول الذهبي في كتابه الموقظة (3).
قال: "ينبوع معرفة الثقات،تاريخ البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان."
ثانياً: ليس بالضرورة أن يكون (منكر الحديث) ضعيفا، فقد يطلق هذا المصطلح على (الثقة) أيضاً.
قال الحاكم: قلت [للدار القطني]: فسليمان بن بنت شرحبيل قال: ثقة، قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: يحدث بها عن قوم ضعفاء فأما هو، فهو ثقة (4).
قال الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة أحمد بن عتاب المروزي:
(ما كل من روى المناكير يضّعف). (5)
وقال ابن حجر في لسان الميزان ترجمة الحسين بن الفضل البجلي:
>فلو كان كل من روى شيئاً منكراً استحق أن يذكر في الضعفاء لما سلم من المحدثين أحد.< (6)
ثالثا: أن عبد لله بن عدي (ت / 365هـ)، وهو من كبار علماء الجرح والتعديل قرر قاعدة في كتابه (الكامل في الضعفاء) وألزم نفسه بها.
قال: >أنا ذاكر في كتابي هذا كل من ذُكر بضرب من الضعف ومن اختلف فيهم فجرحه البعض وعدله البعض الآخر، ومرجح قول أحدهما مبلغ علمي من غير محاباة، ... ولا يبقى من الرواة الذين لم أذكرهم، إلا من هو ثقة أو صدوق < (7)
وبما إننا لم نجد ترجمة لـ (علوان بن داود البجلي) في كتابه، فهذا يشكل قرينة على ان الرجل موثق عنده.
إذن تهمة الضعف مردودة بما تقدم، وتوثيق ابن حبان والقرائن الأخرى شهادة كافية على وثاقته.
أما بقية رجال السند فكلهم ثقات.
أما يونس بن عبد الأعلى فهو: ابن ميسرة بن حفص بن حيان الصدفي، أبو موسى المصري، من الطبقة العاشرة من كبار الآخذين عن تبع الأتباع، روى له مسلم والنسائي وابن ماجه، قال الذهبي: أحد الأئمة، ثقة فقيه محدث مقرئ من العقلاء النبلاء. وقال ابن حجر: ثقة.
وأما يحيى بن عبد الله فهو: ابن بكير القرشي المخزومي من الطبقة العاشرة من كبار الآخذين عن تبع الأتباع روى له البخاري و مسلم و ابن ماجة، قال الذهبي: الحافظ صدوقا واسع العلم مفتيا، وقال ابن حجر:
ثقة في الليث. (8) وقال أيضا: وقال الخليلي كان ثقة، وتفرد عن مالك بأحاديث، وقال بن قانع مصري ثقة. (9)
وأما الليث فهو:ابن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، من الطبقة السابعة من كبار أتباع التابعين، روى له البخاري ومسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه، قال الذهبي: الإمام، ثبت من نظراء مالك، وقال ابن حجر: ثقة ثبت فقيه إمام. (10)
وأما عمر بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، أبو حفص من الطبقة الثالثة من الوسطى من التابعين، روى له أبو داود، وثقه ابن حبان، (11) وقال عنه ابن حجر انه مقبول. (12)
وأما عبد الرحمن بن عوف: فهو الصحابي المشهور. وعليه فالرواية صحيحة ولا غبار عليها.
رابعا: تأكيدا لصحة الرواية فهناك شاهد يذكره الحاكم النيسابوري في كتابه المستدرك في رواية قال عنها (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) قال:
عن أبي سعيد الخدري قال: لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قام خطباء الأنصار .. فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليّاً (عليه السلام)، فسأله عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به. فقال أبو بكر: ابن عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وختنه أردت أن تشقّ عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! فبايعه. (13)
نسأل كيف أتوا بأمير المؤمنين عليه السلام، فرواية أبي بكر التي يقول فيها (إني لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن فوددت أني لم أكشف [احرق] بيت فاطمة) بضميمة هذه الرواية يكون عندنا دليل واضح على صدق الواقعة وصدق الرواية وصحتها سندلا ودلالة.
إذن هذه الرواية الصحيحة مؤكدة للرواية الأولى. وهي تشير إلى الهجوم على بيتها وحرق منزلها سلام الله عليها.
¥