أما القيد الأخير التي ذكرته هذه الرواية (فبايعه) فأمير المؤمنين لم يبايع إلا بعد ستة أشهر كما روى البخاري (ولم يكن يبايع تلك الأشهر) كما سيأتي الكلام عنه مفصلا.
ثم قال الدمشقية: على أن ابن أبي شيبة قد أورد رواية أخرى من طريق محمد بن بشر، نا عبيد الله بن عمر حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه (أسلم): أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله (ص) كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (ص)، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله (ص)، والله، ما من أحد أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك وأيم الله، ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال: فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت: تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنّ عليكم البيت وأيم الله، ليمضينّ لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ، فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر» (المصنف 7/ 432 ترجمة37045).
قلت: وهذه رواية منقطعة؛ لأن زيد بن أسلم كان يرسل وأحاديثه عن عمر منقطعة كما صرح به الحافظ ابن حجر (تقريب التهذيب رقم2117) كذلك الشيخ الألباني (إزالة الدهش37 ومعجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم الألباني2/ 73).
ولئن احتججتم بهذه الرواية أبطلتم اعتقادكم بحصول التحريق إلى التهديد بالتحريق. وأبطلتم اعتقادكم بأن علياً لم يبايع؛ لأن هذه الرواية تقول: فلم يرجعوا إلى فاطمة حتى بايعوا أبا بكر.
نقول: شبهة الإرسال منتفية؛ لأن الراوي لها ليس أسلم مولى عمر بن الخطاب، بل الراوي (أبيه) وأسلم (والد زيد يروي عن عمر بن الخطاب وهو مولى له) ولك أن تراجع الذهبي في تذكرة الحفاظ
(14)، ليتضح لكم صدق قولنا.
ثم ان هناك قاعدة قررها ابن حجر العسقلاني وهي ان حكم الإرسال بالقطع- على فرض ان هذه الرواية مرسلة - يأخذ حكم الاتصال، وتصحح الرواية، وذلك لوجود قرينة وهي نفس نقله (أي أسلم) لمجريات هذه الأحداث، وهذا كاشف عن ان الذي حدّثه بها هو
(عمر) وإلا كيف وصلت إلينا، وعليه فالرواية تكون متصلة وصحيحة.
وهذا الكلام نقله ابن حجر في رواية مشابهة لهذه الرواية، يعترض فيها على الدار القطني الذي حكم على رواية من صحيح البخاري بالإرسال، وهي عن زيد بن اسلم عن أبيه عن عمر. (لاحظ ان السند أيضا عن زيد بن اسلم عن أبيه)
قال ابن حجر في فتح الباري:> قال الدار قطني أخرج البخاري عن القعنبي وعبد الله بن يوسف وغيرهما عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير وعمر معه الحديث. في نزول سورة الفتح مرسلا.
قلت: بل ظاهر رواية البخاري الوصل؛ فإن أوله (أي السند) وإن كان صورته صورة المرسل، فإن بعده ما يصرح بأن الحديث لأسلم عن عمر؛ ففيه بعد قوله فسأله عمر عن شئ فلم يجبه فقال عمر نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات كل ذلك لا يجيبك قال عمر فحركت بعيري ثم تقدمت أمام الناس وخشيت أن ينزل فيّ قرآن وساق) الحديث على هذه الصورة حاكيا لمعظم القصة عن عمر، فكيف يكون مرسلا؛ هذا من العجب والله أعلم< (انتهى كلام ابن حجر). (15)
إذن فالكلام هو الكلام، ولا يحتاج إلى زيادة مؤونة، وعليه فالرواية متصلة وليست مرسلة
أما بقية رجال الإسناد فجميعهم من الحفاظ الثقات.
محمد بن بشر فهو بن الفرافصة بن المختار العبدي، أبو عبد الله الكوفي الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين روى له (البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي والنسائي و ابن ماجه) قال الذهبي: الثبت، قال أبو داود: هو أحفظ من كان بالكوفة (16) وقال ابن حجر: ثقة حافظ. (17)
وأما عبيد الله بن عمر فهو: بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوى، قال الذهبي الفقيه الثبت، وقال ابن حجر ثقة ثبت. (18)
وأما زيد بن أسلم القرشي العدوي، أبو أسامة، و يقال أبو عبد الله، المدني الفقيه، مولى عمر بن الخطاب، قال الذهبي: الفقيه وقال ابن حجر: ثقة عالم. (19)
¥