والذي يجب أن يسجله المتحدثون عن سيرته الذاتية بصفة خاصة، هو أنه كان خاتمة العلماء المعاصرين المعدودين على الأصابع الذين رغم تخرجهم في جامعة دينية متفرغة لتخريج علماء الدين ورجال الشريعة، كانوا لا يبدون "غرباء" أو "أجانب" بين المثقفين بالثقافة العصرية، بما ألمّوا به من المعارف العصرية التي جعلتهم علماء موسوعيين. فربما كان يتحدث إلى الأطباء، فيحتارون من معلوماته في فن الطبّ، ويناقش المهندسين ومصممي الخرائط، فيندهشون من تدخلاته الموضوعّية في موضوعهم، ويؤاخذ على رجال القانون العصريين أخطاءهم أو زلاّتهم، فكانوا يعجبون من استيعابه لدقائق اختصاصهم. ثم جعلته معرفته بالإنجليزية يلم باصطلاحات الصحفيين والإعلاميين وما يتداولونه من صياغات وتعابير لتغطية الأوضاع والتطورات؛ فكان رجال شتى قطاعات الحياة يجدون فيه رجلاً من أنفسهم، وشخصية تتماشى مع شخصياتهم.
والحق أنّ مثل هذا العالم يستطيع أن يمثل الإسلام الشامل المتسامح الذي هو حاجة الناس بأنواعهم كلها، تمثيلاً لا يقدر عليه عالم منقطع عن تيارات الحياة، يعيش في البرج العاجي، ولا يعرف إلاّ بعض جوانب علوم الشريعة، التي لا تنفعه بضيق أفقه نفعاً مطلوباً فكيف بغيره!.
ومن أجل خصائصه الجمة هذه ترامى علي حبّه علماء العالمين العرب والإسلامي، عندما تعرفوا عليه خلال مشاركته في المؤتمرات والندوات العلمية والفكرية والإسلامية، وجعلوه عضواً في عدد من المجامع الفقهية والعلمية والمؤسسات الخيرية، واستناروا بتجاربه في القضاء والإفتاء والاجتهاد في المسائل المستجدة والقضايا المستحدثة؛ ولاسيما في جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية، ودولة الكويت، وإفريقيا الجنوبية التي تكررت زيارته لها على دعوة رسمية وشخصية، مشاركة في المؤتمرات والندوات التي عقدت في مواضيع الفقه والاقتصاد أو العلم والقضاء.
وقد كان الشيخ القاسمي معنياً للغاية الأمة بتوحيد الأمة ولا سيما الشعب المسلم الهندي على القاسم المشترك، وصبّ على هذه الغاية اهتمامه عبر حياته. كانت مؤهلاته تعينه على أن يجعل قطاعاً عريضاً من الشعب المسلم يتجاوب مع دعوته؛ وينبذ خلافاته لحد ما، ويشعر بتألمه لوحدة الأمة وعزّها؛ ولكن الأجل المحتوم المقدر من الله لم يمهله يكمل مشواره. وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. وإن المؤمن إذا لم يُتَحْ له أن يقطع مراحل سفره كلها، فإن له الجزاء الأوفى على نيته الصادقة، وإرادته المخلصة، ومحاولته لابتغاء وجه الله.
محطات عامة في حياة الشيخ القاسمي
@ الاسم: الشيخ القاضي مجاهد الإسلام القاسمي
@ اسم الوالد: الشيخ عبد الأحد القاسمي الجالوي الدبهنكوي 1298ه- 1880م - 1336ه- 1947م) وكان أحد تلاميذ صقر شبه القارة الهندية الشيخ محمود حسن الديوبندي (1268ه- 1851م - 1339ه- 1920م) المعروف ب"شيخ الهند"
@ ولد الشيخ مجاهد الإسلام يوم الجمعة 9 - أكتوبر 1936م (20 - شعبان 1355ه) في قريته الجامعة "جاله" ( JALAH) بمديرية "دربهنكه" ( Darbhanga) بولاية "بيهار" ( Bihar) بالهند.
مرحلة التعليم والتربية:
@ تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في كل من قريته (جاله) ومدرسة (محمود العلوم بقرية "دمله" بمديرية "بيهار"، ومدرسة دار العلوم ب"مدهوبني" ( Madhubani) حاليا) و "المدرسة الإمدادية بمدينة "دربهنكه" بولاية "بيهار" ومدرسة دار العالوم ب "مئوناته بهنجن ( maunathbhanjan) بولاية "أثرا براديش".
@ والتحق في أواخر يونيو عام 1951م (أوائل شوال 1370ه) بأكبر جامعة إسلامية في شبه القارة الهندية وهي دار العلوم- ديوبند، وتخرج منها في آذار- مارس عام 1955م (شعبان 1373ه) وقرأ فيها الحديث الشريف وأمهات الكتب على العالم العامل المجاهد الشيخ السيد حسين أحمد المدني المتوفى 1377ه- 1957 المعروف في شبه القارة الهندية ب"شيخ الإسلام"، والعلامة محمد إبراهيم البلياوي المتوفى 1387ه- 1967م، وشيخ الأدب والفقه الشيخ محمد إعزاز علي الأمروهوي المتوفى 1372ه- 1952م، والشيخ فخر الحسن المراد آبادي المتوفى 1400ه- 1980م، والشيخ محمد حسين البيهاري المتوفى 1412ه- 1992م، والشيخ معراج الحق الديوبندي المتوفى 1412ه- 1991م.
الحياة العملية:
¥