تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عليه من سلف في آبائنا الأولين، فينبغي للعالم بل ولطالب العلم أن يحفظ وقته ما استطاع، ومخالطة بعض الناس مضيعة للقلب فضلًا عن الوقت، وكذلك من فضائل العزلة أنها مناط الحشمة والمروءة لا سيما للعالم بين الناس، وهي وإن كانت شديدة على النفس أنفع في لقاء الله غدًا كما قال الشاعر:

ألم تر أن المرء تدوي يمينه فيقطعها عمدًا ليسلم سائره

أسأل الله لي ولإخواني الهداية والتثبيت إنه ولي ذلك والقادر عليه.

قالوا عن الشيخ: يبغض الإخوة.

وهذا لعمري عجيب جدًا إذ أنه حكم ظاهري لم يقله أحد خالط الشيخ وجالسه، و إلا لم يتفوه بهذا الكلام مطلقًا، فنحن بحمد الله تعالى ندعوا الشيخ فيلبي دعوتنا ونعطيه أبناءنا فيرقيهم ويقبلهم ويجعلهم في حجره ويحنو عليهم ويقضي لنا بعض مصالحنا إذا استعنا به فيها واستطاعها ويضاحكنا ويحل مشاكلنا، وهو معنا كالأب المشفق الرحيم على عياله، فهلا أخبرني هذا القائل تلك المقالة من أين أتي بها؟ وكيف؟!!!!! ويسأل بعضهم فيقول: إن الشيخ شديد المعاملة معنا وهو في ذلك لا يصبر على ذل طلب العلم، بل إذا أراد أن يسأل سأل وفي أي وقت، ومع ذلك ينبغي على أي أحد عالم كان أو غيره أن يجيبه وإلا صار متعنتًا يبغض الإخوة والناس أجمعين، ونصيحتى إلى هذا الأخ أن يرجع إلى السلف ويرى: كيف كان الشيوخ يعاملون الطلبة حتى يأخذ الدربة على معاملة العلماء؟ و إلا فلا يتعنى. ذكر الخطيب البغدادي- على سبيل المثال الواحد مراعاة للاختصار- في كتابه (شرف أصحاب الحديث) أن سليمان بن مهران الأعمش قال له طالب يومًا: يا إمام أريد إسنادًا، فلزق وجهه بالحائط، وقال: هذا إسناد. فما علمنا أن هذا الطالب سب الأعمش أو هجره، بل صبروا على ذل طلب العلم، ومن ثم ملأت أحاديث الأعمش دواوين الإسلام، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "مَنْ خَدَمَ الْمَحَابِرَ خَدَمَتْهُ الْمَنَابِرُ"

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح

قالوا عن الشيخ: لا يصلح للعوام.

قلت: وهذه القولة في الحقيقة كالهباء في الهواء والسراب بقيعه، والواقع يشهد بضدها ولو مشى قائلها خطوات إلى مسجدنا حيث مجلس الشيخ للفتوى لعلم أن مجلس الشيخ يضم عددًا لا بأس به من العوام الذين هم ليسوا بطلاب علم، وحينها سيعلم قائل هذا القول أنه قد أغرق النزع وأبعد النجعة وتكلف ما ليس له به علم0

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتمًا وعويلًا

وليت شعري أمن النضار خلقت أم من طين حتى تحكم على الناس بما رأيت وتنزل الناس ما شئت من المنازل وبلا هوادة ولا تروي ولا سابقة ميزان من علم؟! وإني لأتساءل: ما معنى: لا يصلح للعوام؟! ويقال أيضا: ليس كل أحد يصلح أن يجلس في مجلس الشيخ! وإني لأضيف إلى تكذيب الواقع لهذا الكلام إلقاء الكلام على عواهنه، فهذه الكلمة لا مفهوم لها في الواقع، فمن المعلوم أن الكلام الذي لا يبلغ فهمي حد معرفته فإنني ألقيه ولا أحفظه أو أحفظه ولا اعرف معناه وهذا يحدث لأهل العلم أحيانا فيذكر كلمة أو أكثر ثم يقول لم أفهمها أو لم أعرفها، وهذا دارج لكن لمن قطع من عمره قسطا في القراءة ثم يقال: هذا صد عن سبيل الله ذلك لأن أمزجة الناس مختلفة ودرجة أفهامهم أيضا مختلفة فما فهمه هذا جهله غيره وبالعكس، فكيف يستطيع المرء أن يفرق بين هذين الرجلين حتى يخرج حكمًا سديدًا بعد ذلك؟ فربما صددت رجلًا عن هذا المجلس لأنني أظن أنه لا يفهم وأكون في ذلك خاطئًا، وهؤلاء هم سلفنا لم يكونوا يفعلوا مثل هذه الأشياء، فعلى قدر بغضهم للبدعة والمبدعة لم يكونوا ليحجزوا الناس عن حضور مجالسهم أو عن حضور مجالس من قال بالبدعة ولو مكرهًا متأولًا. فهذا رجل قال ليحيى بن معين في محضر أبي خيثمة: أكتب عن علي بن المديني، فقال أبو خيثمة: لا ولا كرامة، فقال يحيى بن معين: اكتب عنه إن لم تجد غيره (كذلك فليكن فعل الرجال)، وإني لأنعي زمانًا كان الطالب فيه إذا حدث عن شيخه. قال: حدثني الحبر البحر وكان يكرر الثقة بعد قوله: حدثني؛ حتى ينقطع نفسه، فإلى هذا آل أمرنا ولا حول ولا قوة إلا بالله، وبالجملة فالكلمة كما يرى القارئ المنصف لا طائل تحتها ولا معنى لها، بل هي سقط من الكلام حقًا، ولعل دافعه الهوى والله المستعان.

قالوا عن الشيخ: يخطئ ابن تيمية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير