تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان هذا الدرس خاصّاً، فلم يكن يحضره سوى بعض الزملاء – ومنهم الآن القضاة والأساتذة الأكاديميون، و والله لقد كنّا نجد الشيخ – أحياناً - واقفاً الباب ينتظرنا! ويصرح لنا بمدى اهتمامه وحبه لهذا الدرس! .. ومع ما يستفاد منه من التواضع والسمت الحسن، كان مما يميز درس الشيخ – رحمه الله ورفع درجته وأجزل الله مثوبته – استحضاره السوابقَ القضائية والتاريخية، مما له صلة بموضوع كثير من الدروس .. وهذا في حد ذاته، مطلب أندر من الكبريت الأحمر كما يقال ..

وفي ظلال هذه الجلسات العلمية التي تعقد في مكتبة الشيخ المنزلية، كان المجال خصباً للتعرّف على منهج الشيخ في البحث والترجيح، والتطبيق الفقهي على الوقائع ..

فكان مما استفدناه منه في هذه الجلسات: أنَّ الشيخ - رحمه الله – لا يأبه بأي قول ليس له مستند من الكتاب والسنّة، مهما كان قائله. وهذا من آثار تتلمذه على الشيخ ابن باز رحمه الله! و كان يرى أنَّ ابن باز رحمه الله هو مجدِّد فقه الحديث في الجزيرة العربية ..

وحكى لنا – رحمه الله - بدايات اعتماده للأخذ بفقه أهل الحديث، قائلاً: كنت أتردد على ورّاق بحي البطحاء بالرياض، فوقع نظري ذات مرّة على كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، للعلامة الشوكاني، فلمّا تصفحته، أُعجبت به كثيراً، فاشتريته واقتنيته، ومن ثمّ تأثرت بمنهجه في الاستدلال. وكان رحمه الله يحتفظ بنسخة من (بلوغ المرام، للحافظ ابن حجر رحمه الله) عليها تعليقات الشيخ ابن باز رحمه الله، وتصحيحاته وتعقيباته، وبعضها بخط الشيخ ابن باز رحمه الله، وكان يخرجه لنا إذا ما عرض لنا حديث للشيخ ابن باز تعقيب عليه .. فقد كان يستذكر تلك الأحاديث من بين بقية الأحاديث ..

ومما استفدناه منه رحمه الله: أنَّ على طالب العلم أنّ لا يكون متذبذبا، تتجاذبه الأقوال والآراء، بل عليه أن لا يقبل قولاً إلا بحجة، وإذا ثبت لديه القول بالحجة، فلا ينتقل عنه إلا أن يتيقن حجة أقوى من حجته السابقة .. وكم في هذه الفائدة من فقه وعلم ..

ومما استفدناه من سيرته العطرة، أنَّ على طالب العلم أن يلزم غرز العلماء الكبار، ليعرف ما يأتي وما يذر، فيحيى عن بيِّنة، ولا يقع فريسة لكاتب هالك، أو متعالم جاهل .. لقد كان الشيخ على صلة قوية بمشايخه، وكان يلجأ بعد الله عز وجل إليهم .. ومنهم على سبيل المثال، العلامة الجليل الفقيه الأصولي الكبير الشيخ: عبد الرزاق عفيفي رحمه الله .. فكان يشكو إليه بعض ما يعتب عليه أقرانه مما لم يدركوه من أمور الواقع، فيجد من الشيخ عبد الرزاق رحمه الله عوناً له على الثبات وردّ الشبهات ..

ومما استفدناه منه رحمه الله: ما نصّه: " الأوامر التي تأتي على خلاف القاعدة، لا تؤخذ على أنَّها قاعدة، وإنَّما تؤخذ كما جاءت نادرة، مثلاً: قراءة النبي صلى الله عليه وسلم للطور والمرسلات والأعراف في المغرب، التي الغالب فيها القراءة بقصار المفصّل، فلا يؤخذ بالسنّة التي وردت على خلاف الغالب، في الغالب؛ أنّنا نكون عكسنا القاعدة ". قلت: كم أجرى بعض النّاس النادر مجرى الغالب، فوجدنا من يقرأ الزلزلة في ركعتي الفجر في الأسبوع عدة مرات زاعماً اتَّباع السنّة! ..

ومما يزيدك حباً للشيخ، اهتمامه بالعلم الأصيل، دون التعلق بالتوابع والاستكثار من الإجازات، وما إليها، وهي قاعدة قديمة عنده، بل إنَّ من تطبيقاتها القديمة لديه – وقد ناقشته فيها لعدم تسليمي له بها -: أنَّه ختم القرآن على أحد القراء في المسجد النبوي، فلما انتهى طلب منه المقريء أنّ يتبعه لداره، ليكتب له الإجازة في قراءة حفص عن عاصم، فأبى شيخنا ذلك، وقد دُهش المقريء لمَّا قال له الشيخ: ما جئت للإجازة، إنَّما جئتك لأضبط القراءة! وإنَّما لم أسلِّم لشيخي بالامتناع عن الإجازة، لأنَّ إجازات القرآن والقراءات، لا زالت بعافية ولله الحمد، فلا تُعطى إلا لمن يستحقها، بخلاف غيرها، وكتاب الله عز وجل، لا يُتقنه من لم يأخذه من أفواه القراء المتقنين ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير