فتجده يذكر قصص من كتاب ابن كثير الضخم (البداية والنهاية) يذكر القصة كاملة!! وإن تحدث عن الأعلام والرجال قلت هذا قد حفظ سير أعلام النبلاء وتاريخ دمشق لابن عساكر وهلم جره يحفظ القصائد والأشعار وقائليها والمناسبة التي قيلت فيها فرحم الله هذا الجبل العظيم والموسوعة الفذة.
وكان أول لقائي بالشيخ والانضمام إلى دروسه في عام 1405هـ وكنت أحضر درسه في منزله قبل أن يتنقل إلى المسجد المجاور لبيته وكان الحضور يملأ ساحة منزله.
الشيخ رحمه الله تميز بصبره وجلده العظيم فهو يذهب إلى كافة أنحاء المملكة شرقها وغربها شمالها وجنوبها في جولات علمية ومحاضرات متنوعة يبدأ يومه العلمي من بعد صلاة الفجر بدرس ثم يلي دعوة من معهد أو مدرسة في لقاء مفتوح مع الطلاب ثم بعد صلاة الظهر سؤال على الهاتف ثم تبدأ دروسه اليومية العصر والمغرب والعشاء شرح للمتون العلمية ومن ثم الإجابة على الأسئلة!! ثم بعد ذلك تلبية لدعوة أو حضور مناسبة وهكذا فأي جهد هذا؟؟ وقد بلغ بالشيخ السن ما بلغ إن هذا عطاء وتوفيق من الله عز وجل أولاً وآخراً.
الشيخ -رحمه الله- عرف بتواضعه الجم ولعلي هنا أذكر شيء من ذلك فمعروف عن الشيخ أنه لا يرضى أن أحد يقبل رأسه ويمنع ذلك ولا يحبذه بينما هو يقبل رؤوس مشايخه وزملائه ومن تواضعه أيضاً أنه يزور طلابه وتلاميذه ولو كانوا صغار السن عندما يعلم بمرض أحدهم فأذكر أنه زارني في المنزل عام 1421هـ لما أعلم أني أصبت بحادث مروري وكان لهذه الزيارة الأثر الكبير علي وعلى من كان حاضراً عندي ذلك اليوم في المجلس.
ومن تواضعه -رحمه الله- أنه كان يذهب مع مجموعة من طلابه لدرس في شمال الرياض وعندما يعودون يقفون في طريقهم عند أحد المخابز لشراء الخبز لأهلهم فكان الطلاب يصرون على الشيخ البقاء في السيارة وهم يحضرون له ما يريد فكان الشيخ -رحمه الله- يرفض بشدة وينزل بنفسه ويقف في الصف ينتظر دوره ليأخذ الخبز لأهله!! ولم يقل ائتوني بحاجتي!!
ومن تواضعه رحمه الله كان السائل يأتيه ليسأله وهو في المجلس فيستحي السائل أن يسأل أمام الناس الحاضرين فيطلب من الشيخ أن يخرج معه خارج المجلس فيلبي الشيخ طلبه ويخرج معه إلى خارج المجلس! وقد يكون هذا السائل شاب صغير ومن صور تواضعه أيضاً أنه يلاعب الصغار ويسألهم أين يدرسون وكم يحفظون من القرآن وهو يبتسم لهم ويضاحكهم وهو - رحمه الله- جواد كريم فما يأتي سائل يسأله في بيته إلا ويعطيه رجلاً كان أو امرأة كبيراً أو صغيراً.
ومع ضيق وقته وتزاحم أشغاله يأتون له الناس بقوارير ليقرأ فيها لمرضاهم فيستجيب لذلك وقد وضع لذلك مكاناً في ساحة منزله تجد قوارير كثيرة كتب عليها أسماء أصحابها، فنفع الناس من أهم المهمات عنده رحمه الله.
كنت أقدم للشيخ أسئلة لصفحة الفتاوى في مجلة الدعوة وكان -رحمه الله- حريصاً على الإجابة عليها بخط يده وفي الوقت المحدد.
الشيخ -رحمه الله- يحرص على أداء صلاة الميت في جامع عتيقة والراجحي ويذهب معهم أحياناً إلى المقبرة ويقف مع أهل المصاب معزياً ومواسياً مستشعراً الأجر في ذلك.
فرحم الله هذا العلم وأحسن الله عزاء الأمة فيه فمن شهد جنازته وأعداد المصلين الذين ضاقت بهم ساحات الجامع الكبير بالرياض حتى رأينا من يصلي تحت حرارة الشمس فلم يجد له مكان والذين شيعوه إلى المقبرة خلق كثير فلم نخرج من المقبرة بعد دفنه -رحمه الله- إلا قبيل وقت العصر! لكن عزاءنا أن الشيخ -رحمه الله- قد خلّف علماً عظيماً وشروحاً مطولة.
فمن الكتب التي ألفها -رحمه الله- شرح العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وشرح كتاب التوحيد للإمام محمد بن عبدالوهاب، وشرح كتاب منار السبيل، وكتاب الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية هذا بعض مما كتبه الشيخ وللشيخ عدة كتب صغيرة وفتاوى متعددة طبعت عشرات المرات.
رحم الله شيخنا رحمة واسعة وجمعنا به ووالدينا والمسلمين في جنات نعيم.
عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمركز السويدي بالرياض
http://www.al-jazirah.com/87018/rj9.htm
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[30 - 07 - 09, 04:54 ص]ـ
حديث المقل
(في رثاء شيخنا ووالدنا عبد الله بن جبرين _ رحمه الله_)
بقلم/ د. محمد بن عبد الرحمن المقرن
لجينيات
تنازعوا حمله حباً وما احتملوا مرارةَ البعد .... ما للبعد مُحتملُ
لو يُوزن العلم لم تُحمل جنازته في علمه جبلٌ .. هل يُحمل الجبلُ؟
تغيب في القبر أجسادٌ لها سير في الناس حاضرةٌ يُحكى بها المثلُ
وما (ابن جبرين) إلا كالنجوم هدىً ما زال يتبعها سارٍ ومرتحلُ
قالوا وقد غرقت بالدمع أعينهم أمات؟ قيل: أجل هذا هو الأجلُ
قالوا وقد بللوا بالدمع تُربته أيُدفن المجدُ والآدابُ والمثلُ؟
كالشمس آثاره هيهات تحجبها عنا السنون ولو دالت بها الدولُ
قد كان بالجود مثل المزن أوله بروق يمناه ثم الوابل الهطِلُ
في علمه نهرٌ .. في سمته عبرٌ كأنه قمرٌ بالحسن مكتملُ
ملأت قلبي يقيناً لا حدود له الله حسبي إذا ضاقت بي الحيلُ
نبكي وما كان يبكينا الرحيل أسىً فكل من سار فوق الأرض مرتحلُ
لكنه العلم جرحٌ فقد صاحبه هيهات هيهات هذا الجرح يندملُ
قد كنت أصغي له في الدرس يُلبسنا من علمه حللاً ما مثلها حللُ
إذا تحدث خلت الشهد في فمه كأن كلماته من حسنها عسلُ
لا تحسبوا درسه متناً وحاشيةً فالسمت أعظم درس منه يُنتهلُ
يُروى التواضع درساً من تواضعه ويُستقى منه طيبُ القلب والوجلُ
بالحق يصدح لم يعرف مداهنةً وما تخالف منه القولُ والعملُ
في كل قطرٍ ترى آثار دعوته كأنه أمةٌ يخطو بها رجلُ
لا تسألونا فإن الحزن ألجمنا سلوا مدامعنا .. قد تنطق المقلُ
إنا إذا عصفت أحزاننا لجأت قلوبنا لإله العرش تبتهلُ
يا ربنا اجعل جنان الخلد منزله واجعله من أنهر الفردوس يغتسلُ
مضى الحبيب وما جفّت منابعنا ما زال يزهر في أعماقنا الأملُ
د. محمد بن عبد الرحمن المقرن
القاضي بالمحكمة العامة بالرياض
http://174.120.81.100/index.php?action=showMaqal&id=9146
¥