تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولما تأسست جمعية العلماء انتخب ضمن أعضاء مجلسها الإداري، وعين نائب الكاتب العام وكان ممثلها في عمالة الجزائر. وكذلك تولى رئاسة تحرير جرائد الجمعية السنة والشريعة والصراط، ثم جريدة البصائر من أول عدد لها 27سبتمبر 1935م إلى العدد 83 الصادر في 30سبتمبر 1937م حيث انتقلت إدارتها إلى قسنطينة، وأشرف عليها الميلي إلى أن توقفت بسبب الحرب في العدد 180 الصادر في 25أوت 1939م.

ومن نشاطه في ظل الجمعية إشرافه على مدرسة الشبيبة الإسلامية، وترأس الجمعية الخيرية الإسلامية، ولازم نادي الترقي يدرس فيه إلى أن أقعده المرض في بيته في حي «بولوغين» بالعاصمة.

وكان رحمه الله تعالى قد انتقل إلى العاصمة والتحق بهذا النادي مباشرة بعد تأسيس الجمعية، إذ كان أهل النادي يبحثون عن عالم يتولى مهمة المحاضرة والتدريس فيه، فلما حضر اجتماع العلماء المسلمين الأول ألقى محاضرة خلبت الألباب وأثرت في النفوس، كما أعجب الجميع بسلوكه وأخلاقه العالية، فرأى فيه أهل النادي الأهلية لأداء تلك المهام فاتفقوا معه على أن ينتقل إلى العاصمة. ولم يكن نشاطه التعليمي مقتصرا على النادي، بل كان يلقي دروسا في مساجد العاصمة المسجد الجديد والمسجد الكبير موضوعها التفسير والعقيدة والفقه، بل هذه الدروس هي مظهر دعوته الأول والذي استمر فيه إلى آخر أيامه وكانت له الثمرة الجلية والتأثير الواضح في سكان العاصمة.

المطلب الثاني: محنة الشيخ رحمه الله

أولا: مكيدة السلطة الفرنسية به

وبعد مدة من انطلاقه في العمل ظهرت نتائج دعوته ونشاطه حيث كثرت المدارس العربية الحرة في مدن عمالة الجزائر، وتزايد عدد الملازمين لدروس الشيخ، وصار تمسك الناس بالدين في العاصمة أمرا ظاهرا، وهجر الناس شرب الخمر والميسر ومواطنها، ورجع أكثرهم إلى بيوت الله بعد أن خلت منهم، ولم تصمد أمامه دعوة الطرقية بل ولا صمد المتعاطفون معهم الذين اختاروا غير منهاج الشيخ في فضحهم وتنفير الناس منهم، يقول الشيخ أحمد حماني: «فأقبل الناس عليه وأثر في الوسط تأثيرا كبيرا، وقل الفساد والسكر والاعتداء، وكان مستشريا بالعاصمة، وانخفضت نسبة الجرائم، وتفتحت العقول والأذهان، وزالت منها كثير من الخرافات والبدع والأوهام، وصار للحركة جمهور غفير، خصوصا من العمال والشباب الذي سماه الشيخ العقبي الجيش الأزرق لما كان يمتاز به العمال من لباس البذل الزرقاء».

فأثار كل ذلك قلق المستعمرين فسلكوا مع الشيخ سبلا شتى بغرض ضرب دعوته، منها سبيل الإغراء فعرض عليه منصب الإفتاء فرفض حفاظا على استقلاله وحريته، ومنها إصدار الوالي «ميشال» قرار منع الشيخ من التدريس سنة 1933م لما وجد الدعم من بعض الطرقيين، ومنها أن أصدر المنشور القاضي بغلق المساجد في وجه غير الرسميين الذي اشتهر باسم صاحبه، ولما انظم الشيخ إلى المؤتمر الإسلامي مع ابن باديس والإبراهيمي ولعب فيه دورا بارزا، بلغ الأمر بالنسبة إليهم منتهاه، فحيكت مؤامرة مقتل المفتي محمود بن دالي (كحول) لإحباط مسعى المؤتمر وإسقاط الشيخ العقبي.

كحُّول المفتي لم يكن طرقيا لكنه رجل باع دينه وأخلص ولاءه لأعداء الإسلام، فكان معارضا لحركة المؤتمر الإسلامي، وكتب برقية للحكومة الفرنسية ينتقص بها علماء الجمعية، ويصفهم فيها بأنهم لا يمثلون سوى شرذمة من المشوشين الذين يحاولون بث الفوضى في البلاد. ولما رأته فرنسا عنصرا رخيصا لا تنتفع به حيا أرادت أن تستغله ميتا فدست له من قتله، رجل معروف الإجرام يقال له عكاشة، فنفذ هذا الأخير جريمته يوم 2أوت 1936م في الوقت الذي كان فيه العقبي وسائر ممثلي المؤتمر مجتمعين بالملعب البلدي [20أوت حاليا] يشرحون للأمة المطالب التي تقدموا بها إلى الحكومة الفرنسية، فلما ألقي عليه القبض ادعى الجاني أنه تسلم من العقبي خنجرا من صنع بوسعادة ومبلغ 30000فرنكا، فاعتقل العقبي ورفيق له وزج بهما في السجن، وأغلق نادي الترقي، وضيق على أعضاء الجمعية في العاصمة، واحتشدت الجماهير وتجمعت تلقائيا احتجاجا على اعتقال الشيخ وصاحبه فكادت تحدث فتنة عمياء لولا أن توجه إليهم ابن باديس والإبراهيمي بأن يقابلوا الصدمة بالصبر والتزام الهدوء والسكينة، قال الإبراهيمي [الآثار (1/ 265)]: «وكان هذا أول فشل للمكيدة ومدبريها». فقضى الشيخ في السجن سبعة أيام، ثم تراجع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير