عكاشة عن تصريحاته بعد ذلك وأنكر أن تكون له علاقة بالعقبي وصاحبه، فأفرج عنهما بصفة مؤقتة، ووضعا تحت المراقبة مع إمكانية التوقيف عند الضرورة، ثم لم يُفصل في القضية إلا بعد ثلاث سنوات، حيث حكم ببراءة العقبي وصاحبه وحكم بالسجن المؤبد على شخصين، وبعشرين سنة على شخص ثالث وذلك بتاريخ 28 جوان 1939.
ثانيا: هل أثرت الحادثة على دعوة الشيخ؟
إن هدف تلك المؤامرة كان واضحا جليا وهو إفشال المؤتمر وإسقاط العقبي وضرب دعوته، فهل وصلت فرنسا إلى تحقيق هدفها الثاني؟ قد اختلفت في ذلك الأنظار والتحليلات، والذي جنح إليه أغلب الكتاب أن الحادثة قد أضعفت الشيخ وأثرت على مواقفه بعدها، والذي نراه خلاف ذلك فإن الشيخ ما أوقفه عن الدعوة إلا المرض، وقد أرخ الإبراهيمي ضد ما قرره هؤلاء فقال [الآثار (1/ 279)]: «ومن آثار هذه الحادثة على الأستاذ العقبي أنها طارت باسمه كل مطار ووسعت له دائرة الشهرة حتى فيما وراء البحار، وكان يوم اعتقاله يوما اجتمعت فيه القلوب على الألم والامتعاض، وكان يوم خروجه يوما اجتمعت فيه النفوس على الابتهاج والسرور».ومما استند إليه هؤلاء الكتاب، وليس بشيء، خلاف الشيخ الطيب العقبي مع الشيخ ابن باديس في قضية برقية التأييد لفرنسا ضد ألمانيا، وذلك أن الهيئة الإدارية للجمعية اجتمعت في 23سبتمبر 1938 لدراسة الأمر، فكان العقبي مع إرسال برقية التأييد، لأن هذه البرقية ستجعل فرنسا لا تتعرض لنشاط الجمعية وتخفف من تضييقها عليها على الأقل وذلك باعتبار مواصلة الدعوة أولى الأولويات، بينما اعتبر ابن باديس البرقية نوعا من الولاء لفرنسا وموافقة صريحة على تجنيد الجزائريين، فلما احتد النقاش بين الطرفين عُرض الأمر على التصويت، فكانت النتيجة 12صوتا موافقا لرأي ابن باديس، مقابل 4 أصوات فقط موافقة لرأي العقبي، وعندها استقال العقبي من المجلس الإداري واحتفظ بعضويته في الجمعية، وبمناسبة هذه القضية يقول محمد العيد آل خليفة:
خصمان فيما يفيد الأمة اختصما إياك أن تنقص الخصمين إياك
كلاهما في سبيل الله مجتهد فلا تلومن لا هذا و لا ذاك
وبعدها اضطرت الجمعية إلى توقيف جريدة البصائر لكي لا ترغم على نشر ما لا ترضاه، فأعاد العقبي إصدار جريدته «الإصلاح» في 28 ديسمبر 1939 والتي استمرت إلى العدد 73 الصادر في 3مارس 1948. والذي ينبغي الوقوف عنده هنا هو روح الأخوة والتعاون التي بقيت قائمة بين الشيخ العقبي وبقية رجال الجمعية رغم انسحابه من الهيئة الإدارية للجمعية، فقد هنأ الإبراهيمي العقبيَ لما أصدر جريدة الإصلاح ونشر ذلك في 11جانفي 1940م، وكذلك اشترك العقبي والإيراهيمي في تنظيم الهيئة العليا لإعانة فلسطين، التي نشر خبرها في 21جوان 1948م فترأسها الشيخ الإبراهيمي وكان الشيخ العقبي أمين مالها، وقد شهد له الإبراهيمي بأنه الروح المدبرة لتلك الهيئة، كما شارك إخوانه رجال الجمعية في أعمال أخرى منها مواصلة المطالبة بتحرير المساجد وفتحها للعلماء الأحرار.
المطلب الثالث: من أصول دعوته
أولا: الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك
هذا أمر اشتهر به الشيخ الطيب العقبي، إلى درجة ارتباط النهي عن مظاهر الشرك عند أكثر العامة باسم الطيب العقبي، وربما سمي دعاة التوحيد في منطقة الوسط بالعقبيين، وقد كان محور خطبه ودروسه وكتابته هو بيان التوحيد والنهي عن مظاهر الشرك، إضافة إلى الترغيب في السنن والنهي عن البدع العملية، وقد صرح في قصيدة الدين الخالص بنسبته إلى العقيدة السلفية فقال:
مذهبي شرع النبي المصطفى واعتقادي سلفي ذو سدادْ
خطتي علمٌ و فكرٌ و نظرْ في شؤون الكون بحثٌ واجتهادْ
وطريق الحق عندي واحدٌ مشربي مشربُ قربٍ لا ابتعادْ
ومما قاله الشيخ في هذا الباب [البصائر (1/ع3/ص2)]: «فمن أنت أيها الإنسان؟ وإذا عرفت من أنت فما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ? فجهلت ما حقك أن تعلم وعملت غير ما يوجب عليك العلم، وآمنت إيمان المقلد عن غفلة وجهل وتوجهت بأعمالك وأقوالك لغير متجه صحيح وانتحيت مناحي الضلال والخسران وأصبحت تدعو من دون الله أو مع الله من لا يستجيب لك، ولا برهان لك على دعائه ولا سلطان لديك في جواز عبادته، بل أوجب ذلك عليك، وضللت عمن هو أقرب من حبل الوريد إليك». وقال في خاتمة القصيدة السالفة الذكر:
¥