تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تنمو علَى أجسادِنا في التراب

وإن توافِ العشبَ عندَ الغدير

وقَد كسَا الأرضَ بساطاً نضير

فامشِ الهُوَيْنا فوقهُ. إنه

غذّتْهُ أوصالُ حبيبٍ طرير

يا نَفسُ قَد آدَك ِ حَمْلُ الحزن

يا روحُ مقدورٌ فراقُ البدن

اِقْطِفْ أزاهيرَ المُنى قبلَ أن

يجفَّ مِن عيشك غضُّ الفََنَن

يحلو ارتشافُ الخمر عندَ الربيع

ونشرُ أزهار الروابي يضوع

وتَعْذُبُ الشكوى إلى فاتنٍ

علَى شفا الوادي الخصيب الينيع

فلا تَتُبْ عن حَسْوِ هذا الشراب

فإنَّما تَندمُ بعدَ المتَاب

وكيفَ تصحو وطيور الربى

صدّاحةٌ والروضُ غضّ الجناب

زخارفُ الدُنيا أساس الألم

وطالبُ الدُنيا نديم الندم

فكن خَلِيَّ البال مِن أمرها

فكلُّ ما فيها شقاءٌ وهَمّ

وأَسْعَدُ الخلقِ قليلُ الفضول

مَن يهجرُ الناسَ ويرضى القليل

كأنهُ عنقاءُ عندَ السّهى

لا بومةٌ تنعبُ بينَ الطلول

مَن يحسبِ المالَ أَحَبَّ المُنى

ويزرعِ الأرضَ يريدُ الغِنى

يفارقِ الدُنيا ولم يَختَبِرْ

في كدَّهِ أحوال هذى الدُنى

سرى بجسمي الغضِّ ماءُ الفناء

وسار في روحي لهيبُ الشقاء

وهِمْتُ مثلَ الريح حتى ذرَت

تُرابَ جسمي عاصفات القضاء

يامَن يَحارُ الفَهمُ في قدرتك

وتطلبُ النَفسُ حمى طاعتك

أسكرَني الإثمُ ولكنّني

صحوْتُ بالآمال في رحمتك

لم أشربِ الخمر ابتغاءَ الطرَبِ

ولا دعتني قلّةٌ في الأدبِ

لكنَّ إحساسي نزّاعاً إلى

إطلاق نفسي، كانَ كلَُّ السببِ

أفنيتُ عمري في اكتناهِ القضاء

وكشفِ ما يحجبهُ في الخفاء

فلم أجد أسرارهُ وانقضى

عمري وأحسستُ دبيب الفناء

أطاَل أهلُ الأنَفس الباصره

تفكيرَهم في ذاتِك القادره

ولم تزلْ يا ربُّ أفهامُهم

حيرى كهذي الأنجم الحائره

لم يَجْنِ شيئاً مِن حياتي الوجودُ

ولن يضيرَ الكونَ أنَّي أُبيدُ

وَا حَيْرَتي ما قالَ لي قائلٌ

ماذا اشتعالُ الروح! كيفَ الخمودُ

إذا انطوى عيشي وحانَ الأجلْ

وسدَّ في وجهي باب الأملْ

قَرَّ حُبَابُ العمر في كأسهِ

فَصَّبها للموتِ ساقي الأزلْ

إن لم أكنْ أخلصتُ في طاعتك

فإنّني أطمعُ في رحمتك

وإنَّما يشفعُ لي أنّني

قَد عشتُ لا أُشرك في وحدتك

يا ربُّ هَيِّءْ سببَ الرزق لي

ولا تذقني مِنّة َ المُفضلِ

وابقني نشوانَ كيما أرى

روحي نَجتْ مِن دائِها المعضلِ

أفنيت عمري في ارتقابِ المُنى

ولم أذق في العيشِ طَعْمَ الهَنا

وإنَّني أُشفقُ أن يَنقَضي

عمري وما فارقتُ هذا العَنا

لم يبرحِ الداءُ فؤادِي العليل

ولم أنلْ قصدي وحانَ الرحيل

وفات عمري وأنا جاهلٌ

كتابَ هذا الدهر جمَّ الفصول

صفَا لكَ اليومُ ورقَّ النسيم

وجالَ في الأزهارِ دمعُ الغيوم

ورجّعَ البلبلُ ألحانهُ

يقول هيّا اطْرِبْ وخَلّ الهموم

الدرع لا تمنعُ سهمَ الأجل

والمال لا يدفعهُ إن نزل

وكلُّ ما في عيشنا زائلٌ

لا شىءَ يبقى غيرُ طيب العمل

اللهُ يدري كلَّ ما تُضْمِرُ

يعلمُ ما تُخفي وما تُظهرُ

وإن خدعتَ الناس لم تستطع

خدِاع مَن يطوي ومَن يَنشرُ

وإنَّما بالموت كلٌ رهين

فاطرب فما أنتَ مِن الخالدين

واشرب ولا تَحمل أسىً فادحاً

وخلِّ حَمْلَ الهم للاحقين

رأيتُ خزّافاً رحاهُ تَدور

يَجِدُّ في صَوْغِ دِنانِ الخمور

كأنهُ يخلطُ في طينها

جمجمة الشاهِ بساق الفقير

تَمَلَّكَ الناسَ الهوى والغرور

وفتنةُ الغيدِ وسُكنى القصور

ولو تُزَال الحُجُبُ بانت لهم

زخارفُ الدُنيا وعُقبى الأمور

إن الَّذي تَأنَسُ فيه الوفاء

لا يحفظ الودَّ وعهدَ الإخاء

فعاشرِ الناسَ علَى ريبةٍ

منهم ولا تُكثر مِن الأصدقاء

زاد الندى في الزهرِ حتى غدا

مُنحَنِياً مِن حَمْلِ قَطْر الندى

والكُّمُّ قَد جمعَ أوراقهُ

فظلَّ في زهرِ الربى سيّدا

وأسْعَدُ الخَلْق الَّذي يُرْزَقُ

وبابهُ دونَ الورى مُغلقُ

لا سيَّدٌ فيهم ولا خادم

لهم ولكن وادعٌ مُطلقَ

قلبي في صدري أسيرٌ سجين

تُخجلهُ عشرةُ ماءٍ وطين

وكم جرى عزمي بتحطيمه

فكانَ يَنهاني نداءُ اليقين

مصباحُ قلبي يستمدُ الضياء

مِن طلعةِ الغيدِ ذوات البهاء

لكنّني مثلَ الفراش الَّذي

يسعى إلى النّورِ وفيهِ الفناء

طبعي ائتناسي بالوجوه الحِسان

ودَيْدَني شُرْبُ عِتاقِ الدِنان

فاجمعْ شتات الحظَّ وانعمْ بها

مِن قبلِ أن تَطويكَ كفُّ الزمان

تَعاقبُ الأيام يُدني الأجل

ومَرُّها يطويكَ طيَّ السجِل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير