كأنّنا أعداءُ هذا القضاء
بينا تَرى الإبريق والكأس قَد
تَبادلا التقبيل حوَل الدماء
تفتّح النوَّار صُبَّ المدام
واخلَع ثيابَ الزهد بين الأنام
وهاتها مِن قبلِ سطو الردى
في مجلسٍ ضَمَّ الطلى والغرام
حَار الورى ما بين كفرٍ ودين
وأمعنوا في الشكِ أو في اليقين
وسوف يدعوهم مُنادي الردى
يقولُ ليسَ الحقُّ ما تسلكون
نَصبتَ في الدُنيا شرِاك الهوى
وقلتَ أجزي كلّ قلبٍ غوى
أتنصب الفخَ لصيدي وإن
وقعتُ فيه قلتَ عاصٍ هوى
أنا الَّذي أبدعتَ مِن قدرتك
فعشتُ أرعى في حمى نعمتك
دعني إلى الآثام حتى أرى
كيفَ يذوب الإثمُ في رحمتك
إن تُفْصَلِ القطرةُ في بحرها
ففي مداهُ منتهى أمرها
تقاربتْ يا ربُّ ما بيننا
مسافةَ البُعد علَى قدرها
وإنَّما الدُنيا خيالٌ يزول
وأمرنا فيها حديثٌ يطول
مشرقها بحرٌ بعيد المدى
وفي مداهُ سيكون الأفول
جهلتِ يا نفسي سرَّ الوجود
وغبتِ في غورِ القضاء البعيد
فصوِّري مِن نشوتي جنّةً
فربما أُحْرَمُ دارَ الخلود
يا وردُ أشْبَهْتَ خدود الحسان
ويا طلى حاكيتَ ذَوْبَ الجُمان
وأنتَ يا حظَّي تَنكَّرْتَ لي
وكُنتَ مِن قبلُ الأخَ المستعان
أولى بكَ العشقُ وحَسْوُ الشراب
وحَنَّة ُ النّاي ونوح الرباب
فأطلق النفس ولا تتصل
بزخرُف الدُنيا الوشيك الذهاب
لا تَشغل البَال بأمر القدر
واسمع حديثي يا قصير النظر
تنحَّ واجلسْ قانعاً وادعاً
وانظر إلى لعبِ القضاء بالبشر
يا قلب إن ألقيتَ ثوب العناء
غدوتَ روحاً طاهراً في السماء
مقامك العرش ترى حِطَّةً
أنكَ في الأرضِ أطلتَ البقاء
إن الَّذي يُذْبِلُ زهرَ الربيع
ينثرُ أوراقَ وجودي الجميع
والهمُّ مثل السمَّ ترياقهُ
في الخمْرِ فاشرب قدر ما تستطيع
زجاجةُ الخمر ونصف الرغيف
وما حوى ديوان شعرٍ طريف
أحبُّ لي إن كُنتَ لي مُؤنساً
في بلقع ٍ مِن كلّ مُلكٍ منيف
أتَسمعُ الديكَ أطاَل الصياح
وقَد بدا في الأفقِ نور الصباح؟
ما صاحَ إلاّ نادباً ليلةً
ولَّتْ مِن العمرِ السريع الرواَح
علامَ تشقى في سبيلِ الألم
ما دمتَ تدري أنكَ ابنُ العدم
الدهرُ لا تجري مقاديرهُ
بأمرنا فارضَ بما قَد حكَم
تَحَمَّلِ الداءَ كبيرَ الرجاء
أنكَ يوماً ستنال الشفاء
واشكر علَى الفقر الَّذي إن يَرِد
أصبحَت موفور الغِنى والثراء
ليتك يا ربي تُبيد الوجود
وتَخلق الأكوان خَلقاً جديد
فتُغْفِلُ اسمي أو تزيد الَّذي
قدّرتَ لي في الرزقِ بين العبيد
وصلتني بالنفس منذُ القدم
فكيفَ تَفْري شَمْلَنا الملتئم
وكُنتَ ترعاني فماذا دعا
إلى اطراحي للأسى والألم
هات الطلى فالنفس عما قليل
توشكُ مِن فرطِ الأسى أن تسيل
عسايَ أنسى الهمَّ في نشوتي
مِن بعدِ رشفي كأسَها السلسبيل
يا ساقيَ الخمر أَفِقْ هاتِها
ثمَّ اسقني سائلَ ياقوتها
فإنَّها تبعثُ مِن روحها
نفسي وتحيي ميّتَ لذّاتها
صُبَّ مِن الإبريقِ صافي الدماء
واشربْ وهاتِ الكأس ذات النقاء
فليسَ بين الناس مَن ينطوي
علَى الَّذي في صدرها مِن صفَاء
أينَ طَهُورُ النفس عِفُّ اليمين
وكيفَ كانت عيشةَ الصالحين
إن كُنتَ لا تَغفر ذنبي فما
فضلُكَ يا ربي علَى العالمين
أبْدَعت فينا بنات العِبَر
وصُغْتَنا يا رب شتّى الصور
فهل أَطِيق اليوم محوَ الَّذي
تركتَهُ في خلقتي مِن أثر
طبائعُ الأنفس ركّبتها
فكيفَ تجزي أنفساً صُغَْتَها
وكيفَ تُفني كاملاً أو ترى
نقصاً بنفسٍ أنتَ صوّرتها
تُخفي عن الناس سنَا طلعتك
وكلُّ مافي الكون مِن صنعتك
فأنتَ مجلاه ُ وأنتَ الَّذي
تَرى بديع الصُنع في آيتك
يا رب مَهِّدْ لي سبيلَ الرشاد
واكتب لي الراحةَ بعدَ الجهاد
وأحييِ في نفسي المُنى مثلما
يحيىَ مواتَ الأرض صوب ُ العهاد
لن يرجعَ المقدار فيما حكَم
وحَمْلُكَ الهمَّ يزيد الألم
ولو حزنتَ العمرَ لن يَنمَحي
ما خطّهُ في اللوحِ مَرّ القلم
وَلىَّ الدُّجى قُمْ هاتِ كأسَ الشراب
كأنَّما الياقوتُ فيها مُذاب
واحرق مِن العودِ بخوراً وخذْ
مِن غصنهِ المعطار واصنع رباب
الخمرُ تُولِيكَ نعيمَ الخلود
ولذّةَ الدُنيا وأُنسَ الوجود
تُحرقُ مثل النار لكنّها
تجعلُ نارَ الحزن ماءً بروَد
عيشي مِن أجلِ الطلى مستحيل
فإنَّها تشفي فؤادي العليل
ما أعذب الساقيَ إذا قالَ لي
تناولِ الكأسَ ورأسي يميل
¥