تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- لااااااااا، احذري يا سمر هذه رشوة!!

- من قال هذا؟! هذه أتعاب، ومن حقه طلبها.

- لقد سمعت بهذا الكلام من أناس كُثُر، لكن هناك فتوى بتحريم ذلك لأنها رشوة صريحة يا سمر، اتق الله.

- إذن كما تريدين، أما أنا فقبلت بالعرض وأنتظر الخبر، إلى اللقاء.

- مع السلامة!

استلقت "منال" على أريكةٍ في زاوية غرفتها الصغيرة، أخذت الأفكار تذهب بها وتأتي:

- هل أفعل كما فعلت "سمر"؟!

هل ارتكب جرم الرشوة؟!

إنها فرصة العمر ليتحقق لي حُلُمُ النقل إلى مدينتي!!!

ما أكثر الظلم في هذه الأرض!!

الرشوة حرام ... لكنها أتعاب ليست رشوة، أليس هذا هو الصحيح؟!

وبينما هي تشاور نفسها، وتحاورها ذهبت في نومٍ مفاجئ، وبدأت أجفانها تطبق على عينيها بهدوء.

0000000

قبل أن يدغدغ أذان الفجر حلم المدينة، رنَّ المنبه كالعادة لتستيقظ "منال" وتجد نفسها كما عهدتها البارحة ملقاة على الأريكة، وقد سبحت في النوم بلا شعور، نهضت بتكاسل، دلفت باب الخلاء، نظرت في المرآة، وآخذت تحادث نفسها:

- هذا الوجه الأنثوي الجميل، كُتب عليه العناء والمشقة، غيري تعمل بالقرب من منزلها أو على الأقل في نفس مدينة سكنها، وتحمل تخصصا أقل من تخصصي أهمية ومكانة، بينما أنا أدرس مادة الأنجليزي التي يهرب من دارستها بنات جيلي، ويقذف بي إلى أبعد ما يُتَوَقَّع.

فتحت صنبور الماء، وأدخلت يديها الناعمتين تحته، ثم دعكت وجهها بالماء والصابون معاً، ورفعت رأسها ونظرت في المرآة تشاهد خيوط الماء والصابون، وهي تتسابق على خديها قاصدةً ذقنها الصغير، معلنةً الرحيل إلى قعر المغسلة، ثم حادثت نفسها مرة أخرى:

- طليقي، أعرف أنك تحبني، واعرف أنك ما زلت تعاود الكرة والكرة لإرجاعي، لكنك طلقتني لجرمٍ لم ارتكبته أنا وطفليّ، طلقتني لأن نقلي لم يتحقق لأكثر من سبع سنوات من تعييني في تلك المنطقة المهجورة، باسم التعليم وأهله.

دخلت إلى غرفتها مرة أخرى، أخذت في ارتداء ملابسها، ثم اتجهت لرب السماوات والأرض مؤدية صلاة الفجر.

وَقَفَت بعدها على المرآة الواقعة في أول الغرفة، ثم أشرعت في وضع أدوات التجميل الخفيفة على وجهها البدريّ، وهي تقول لنفسها:

- لمن تضعين هذا الكحل يا منال؟! .. لزوجٍ يأس من نقلي إليه، وجعل من الطلاق قراراً زاد به من حمولة الظلم التي أُقلُّها كل يوم، أم لخاطبٍ جديد كلما عَلِمَ بمأساتي خَرَجَ، ولم يعاود المجيء هرباً من الدخول في واقعي التعيس؟!

أخذت نفساً عميقاً ثم مَجَّتهُ في فضاء الغرفة، وهَمَّت بلبس عباءتها وطرحتها.

دقائق حتى أتى صوت مزمار السيارة (الفان) من الشارع الذي يطل عليه شباكها الحزين، فتحت الشباك قليلا نظرت بعينها اليائسة، تأكدت أنه هو ثم نزلت من غرفتها تمشي بخطواتٍ تعبه، صعدت إلى سيارة النقل، فإذا بزميلتها "سمر" تبادرها قائلة:

- صباح الخير.

- صباح النور.

- تأخرتِ في الخروج قليلا.

- آسفة لقد أخذ وقت الاستعداد قليلا من الوقت.

- هل نمتِ جيدا.

- نعم، ولله الحمد.

0000000

أخذت الأسابيع تجر بعضها البعض، والأيام تتدافع بالأكتاف، وجميع المعلمات في انتظار ناريٍّ للنتيجة.

"مريم" التي أتى تعيينها في إحدى المدن التي تبعد عن مدينتها 1400 كيلوا، رفضت هذا الإجحاف، وفَضَّلَت أن تبقى رَبَّة بيت بدلاً من الظلم الذي تمارسه وزارة التربية في البلد.

في إحدى الليالي الحالكة أتى صوت "منال" مسكوباً في سمع مريم فقالت:

- ما أجمل هذا الصوت!!

- أنتِ الأجمل.

- هاه، ما أخبار نتيجة النقل.

- أعلنوا اليوم أنها ستعلن غدا صباحاً.

- جميل، جميل.

- ليس هَمُّ إعلان الموعد أكبر من هَمِّ النتيجة.

- ستكون النتيجة خيراً إن شاء الله.

- سبع سنوات يا مريم وأنا أجاهد هذا الطريق المخيف.

- هانت، يا أُخَيّتي، هانت، أنا متفائلة هذه المرة.

- حتى لو كُتب لي نصيب في النقل سأبقى مطلقة بعيدة أن أبنائي، وكله بسبب هذا النظام الجائر.

- تفاءلي بالخير، لا تكوني بهذا التشاؤم.

- أختي مريم خدمة الإنترنت معطلة لدي من يومين هل بالإمكان أن تكوني على اتصال بي غدا صباحا لإعلامي بالنتيجة.

- أنا في الخدمة، فقط ابعثي لي برقم سجلك المدني على هاتفي، حتى أتمكن من المتابعة غداً.

- اتفقنا إذن، استودعك الله.

- في أمان الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير