تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعد دقائق غرّد هاتف "منال" نظرت إليه فإذا المتصلة هي زميلتها "وضحى" فبادرت بالرد عليها قائلة:

- أهلا يا وضحى.

- كيف حالك يا منال؟

- الحمد لله، ها أنا أنتظر نتيجة النقل ومتفائلة بعض الشيء.

- ألم تستجيبي لعرض سمر؟

- كلا، الرشوة حرام، وكبيرة من كبائر الذنوب، وأنا أخاف من الشروع في مثل هذه الأمور.

- إذن ستبقين على هذه الحال سبع سنوات أخرى وأنتي ذاهبة عائدة.

- لكن يا وضحى .... !!

- أنا عن نفسي تمكنت من معرفة مكان نقلي مقدماً.

- دفعتي رشوة!!!

- لا تقولي رشوة، هذه أتعاب، أنتظر إعلان النتيجة فقط حتى ارتاح نفسياً.

- حرام يا وضحى حـ ... !!

- يا منال حتى لو كان حراماً فلا لوم علينا، النظام ظالم ومتجبّر، ولا نشمُّ فيه للعدل رائحةً البتَّة، والمسئولين لا يهمهم الأمر، وأنا امرأة قابعة وحدي في بيتٍ شعبيٍّ متهالك في نفس مقر عملي، تاركةً أهلي وأخوتي على بُعد 600 كيلو، والأخطار تدور حولي، وسُبل العيش في هذه القرى ضعيفة جدا، وقد خسرت فرصة الزواج أكثر من مرة بسبب هذا النقل.

- هل هذا قرار أخير يا وضحى.

- نعم أخير، ولا رجعة فيه، تعلمين أن الدولة لم تخصص لنا بدل هذه المعاناة التي قصمت ظهورنا، مخاطر الطريق من المفترض أن يصرف لنا بدلاً عنها، والسكن الذي نستأجره من المفروض أن يصرف لنا أيضاً بدلاً عنه، كما ترين الظلم بعينه، أنا وأنتِ مشقتنا وتعبنا متساوٍ مع زميلاتنا اللاتي يعملن بجوار منازلهنَّ، واللاتي يعملن في نفس المدينة.

- لكن يا وضحى أناااا .....

- إنها فرصة العمر يا بلهاء، لا تضيعيها بالمثاليات والمبادئ العتيقة، وداعا أراكِ غداً على خير.

- على خير إن شاء الله وادعا.

0000000

وفي صبيحة يوم السبت، وفي منتصف الطريق بالتحديد، ثمَّة سيارة (فان) التهمتها إحدى الشاحنات، وفي مكانٍ ما، في نفس الزمن تدخل "مريم" فتاة في عامها السادس والعشرين على الشبكة العنكبوتية، وتلقمها الرقم الخاص بصديقتها "منال" ليرتسم أمام عينيها عبارة:

(لم تنقلي).

وفي نفس اللحظة في مكانٍ بعيد عن المدينة، وفي باطن سيارة (فان)، وتحت وطأة أحد الشاحنات الثقيلة، تصعد أنفاس "منال" إلى السماء مودعةً ذلك الظلم الذي تسبب عليها.

وحين أطلقت شمس الأحد ثاني أيام الأسبوع شعاعها على الدنيا، ظهر على صفحات أغلب الصحف المحلية خبرٌ هزَّ أركان المجتمع:

(وفاة سبع معلمات وسائقهن على أحد الطرق البرية صباح أمس السبت).

سَرَت هذه الحادثة في المجتمع مسرى النار في الهشيم، تلقفتها أفواه الناس، وأخذ يَلُوكُهَا المجتمع بدهشة، المسئولين القابعين على كراسي المسئولية في الجهات المعنيَّة يرددون بوقاحة عالية المستوى:

- النظام لا يسمح، النظام لا يسمح.

بينما على الشاشة المقابلة لمريم المخنوقة بالبكاء، ما زالت عبارة "لم تنقلي" مُعَلَّقة كأنها مشنوقة.

هناك في مكانٍ ما، روح منال، وهناك في مكان آخر، جثتها في برزخ التعليم.


• صورة مع التحية إلى معالي وزير التربية والتعليم.
• صورة مع التحية إلى أولياء أمور المعلمات.
• صورة مع التحية إلى المعلمات المستجدات.

ـ[ثلجية اللبانة]ــــــــ[18 - 08 - 2008, 02:07 م]ـ
(النظام ظالم ومتجبر ,ولانشم فيه للعدل رائحة البتة) ..

.. الرشوة ثم الرشوة هذا ماطلبه البعض قبل التقديم وأمرك سيتم على أكمل وجه ..

حسبنا الله ونعم الوكيل هذا حال الأغلبية والله المستعان شيء مؤلم حقًا ..

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير