أَلَسْتَ تراني، لا رأَيْتَ، وأَمْسَكَتْ =بسمعكَ روعاتٌ منَ الحدثانِ
فيا عمٌ يا ذا الغَدْرِ لا زِلْتَ مُبْتَلى ً =حليفاً لهمٍّ لازمٍ وهوانِ
غدرتَ وكانَ الغدرُ منكَ سجيّة ً =فَأَلْزَمْتَ قلبي دائمَ الخفقانِ
وأورثتني غمّاً وكرباً وحسرة ً =وأورثتَ عيني دائمَ الهملانِ
فلا زِلْتَ ذا شوقٍ إلَى مَنْ هويتهُ =وقلبكَ مقسومٌ بِكُلِّ مكانِ
وإنّي لأهوى الحشرَ إذ قيلَ إنّني =وعفراءَ يوْمَ الحَشْرِ مُلْتَقِيَانِ
وَإنَّا على ما يَزْعُمُ النّاسُ بَيْنَنَا =مِنَ الحبِّ يا عفرا لَمُهْتَجِرانِ
تحدّثَ أصحابي حديثاً سمعتهُ =ضُحَيّاً وَأَعْنَاقُ المَطِيِّ ثَوانِ
فقلتُ لهم: كلاّ. وقالوا. جماعة ً =بلى، والذي يُدْعى بِكلِّ مكانِ
ألا يا غرابيّ دمنة ِ الدّارِ بيّنا =أَبَا الصَّرْمِ من عفراءَ تَنتحبانِ
فَإنْ كَانَ حقاً ما تقُولاَنِ فاذهبا =بلحمي إلى وكريكما فكلاني
إذَنْ تَحْمِلاَ لَحْماً قلِيلاً وَأَعْظُماً =دِقَاقاً وقَلْباً دائمَ الخفَقَانِ
كُلاَني أَكْلاً لَم يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ =ولا تهضما جنبيَّ وازدرداني
ولا يعلمنَّ النّاسُ ما كانَ ميتتي =ولا يَطْعَمَنَّ الطَّيْرُ ما تَذَرَانِ
أَنَاسِيَة ٌ عَفْراءُ ذكريَ بَعْدَما =تركتُ لها ذِكْرا بِكُلِّ مَكَانِ
ألا لعنَ اللهُ الوشاة َ وقولهمْ =فُلاَنَة ُ أَمْسَتْ خُلَّة ٌ لِفُلاَنِ
فَوَيْحَكُمَا يا واشِيَيُ أَمِّ هَيْثَمٍ =ففيمَ إلى منْ جئتما تشيانِ؟
ألا أيّها الواشي بعفراءَ عندنا =عَدِمْتُكَ مِنْ واشٍ أَلَسْتَ ترانِي
أَلَسْتَ ترى لِلْحُبِّ كيف تَخلَّلَتْ =عناجيجهُ جسمي، وكيفَ براني
لو أنَّ طبيبَ الإنسِ والجنِّ داوياً =الّذي بيَ منْ عفراءَ ما شفياني
إذا ما جلسنا مجلساً نستلذّهُ =تَواشَوا بِنَا حتى أَمَلَّ مكاني
تكنّفني الواشونَ منْ كلِّ جانبٍ =ولو كانَ واشٍ واحدٍ لكفاني
ولو كانَ واشٍ باليمامة ِ دارهُ = أُحَاذرُهُ مِن شُؤمِهِ لأتَانِي
فَيَا حَبَّذَا مَنْ دونَهُ تَعْذِلونَنِي =ومنْ حليتْ بهِ عيني ولساني
ومنْ لو أراهُ في العدوِّ أتيتهُ =وَمَنْ لو رآنِي في العَدُوِّ أَتَانِي
ومنْ لو أراهُ صادياً لسقيتهُ =ومَنْ لو يرَانِي صادياً لَسَقَانِي
ومنْ لو أراهُ عانياً لفديتهُ =ومَنْ لَوْ يَرانِي عانِياً لَفَدانِي
ومنْ هابني في كلِّ أمرٍ وهبتهُ =ولو كنتُ أمضي منْ شباة ِ سنانِ
يُكَلِّفُنِي عَمِّي ثمانين بَكْرَة ً =ومالي يا عفراءُ غيرُ ثمانِ
ثَمانٍ يُقْطِّعْنَ الأَزِمَّة ِ بالبُرى =ويقطعنَ عرضَ البيدِ بالوخدانِ
فيا ليتَ عمّي يومَ فرّقَ بيننا =سُقيْ السُّمَّ ممزوجاً بِشَبِّ يَمانِ
بنيّة ُ عمّي حيلَ بيني وبينها =وضجَّ لِوَشْكِ الفُرْقَة ِ الصُّرَدانِ
فيا ليتَ محيّانا جميعاً وليتنا =إذا نحنُ متنا ضمّنا كفنانِ
ويا ليت أَنَّا الدَّهْرَ في غيرِ رِيبة ٍ =بعيرانِ نرعى القفرَ مؤتلفانِ
يُطْرِّدُنا الرُّعْيَانُ عَنْ كُلِّ مَنْهَلٍ =يقولونَ بَكْرا عُرَّة ٍ جَربَانِ
فواللهِ ما حدّثتُ سرّكِ صاحباً =أَخاً لِي ولا فَاهَتْ بِهِ الشَّفَتانِ
سِوى أَنَّنِي قد قُلْتُ يوماً لِصَاحبي =ضُحى ً وقَلوصانا بنا تَخِدَانِ
ضُحَيّاً وَمَسَّتْنَا جَنوبٌ ضَعيفة ٌ =نسيمٌ لريّاها بنا خفقانِ
تحمّلتُ زفراتِ الضّحى فأطقتها =وما لي بزفراتِ العشيِّ يدانِ
فيا عَمِّ لا أُسْقِيتَ من ذي قَرابَة ٍ =بلالاً فقدْ زلّتْ بكَ القدمانِ
فأنتَ ولم ينفعكَ فرّقتَ بيننا =ونحنُ جمعٌ شعبنا متدانِ
وَمَنَّيْتَنِي عَفْراء حتى رَجَوْتُها =وشاعَ الذي مَنَّيْتَ كُلَّ مكانِ
منعّمة ٌ لمْ يأتْ بينَ شبابها =ولا عَهْدِها بِالثَّدْيِ غيرُ ثَمانِ
ترى بُرَتَيْ سِتِّ وستِّين وافياً =تهابانِ ساقيها فتنفصمانِ
فواللهِ لولا حبُّ عفراءَ ما التقى =عليَّ رواقا بيتكِ الخلِقانِ
خُلَيْقانِ هَلْهالانِ لا خَيْرَ فيهما =إذَا هَبَّتِ الأَرْواحُ يَصْطَفِقَانِ
رواقانِ تهوي الرّيحُ فوقَ ذراهما =وبِاللّيْلِ يسرِي فيهما اليَرقانِ
ولم أَتْبَعِ الأَظْعَانِ فهي رَوْنَقِ الضُّحَى =ورحلي على نهّاضة ِ الخديانِ
ولا خَطَرَتْ عَنْسٌ بِأَغْبَرَ نازِحٍ =ولا ما نحتْ عينايَ في الهملانِ
كَأَنَّهُمَا هَزْمَانِ من مُسْتَشِنَّة ٍ =يُسْدانِ أَحْيَاناً وَيَنْفَجِرانِ
أرى طائريَّ الأوّلينِ تبدّلا =إلَيَّ فما لي منهما بَدَلاَنِ
أَحَصّانِ من نَحْوِ الأَسَافِلِ جُرِّدا =أَلفّانِ مِنْ أَعلاهما هَدِيان
لِعَفْراءَ إذْ في الدَّهرِ والنَّاسِ غَرَّة ٌ =وَإذْ حُلُقَانَا بِالصِّبَا يَسَرانِ
لأَدنُو مِنْ بيضاءَ خَفَّاقَة ِ الحشا =بنيّة ِ ذي قاذورة ٍ شنآنِ
كأنَّ وشاحيها إذا ما ارتدتهما =وقامتْ عِنانا مُهْرَة ٍ سَلِسَانِ
يَعَضُّ بَأَبْدَانِ لها مُلْتَقَاهما =ومثناهما رخوانِ يضطربانِ
وتحتهما حقفانِ قدْ ضربتهما =قطارٌ منَ الجوزاءِ ملتبدانِ
أَعَفْراءُ كم مِنْ زَفْرَة ٍ قد أَذقْتِنِي =وحزنٍ ألجَّ العينَ بالهملانِ
فلو أنَّ عينيْ ذي هوى ً فاضتا دماً =لفاضتْ دماً عينايَ تبتدرانِ
فهلْ حاديا عفراءَ إنْ خفتَ فوتها =عَلَيَّ إذَا نَادَيْتُ مُرعَويانِ
ضَرُوبانِ للتّالِي القطوفِ إذَا وَنَى =مشيحانِ منْ بغضائنا حذرانِ
فما لكما من حادِيَيْنِ رُمِيتُما =بحمّى وطاعونٍ إلا تقفانِ؟
فما لكما من حادِيَيْنِ كُسِيتُما =سرابِيلَ مُغْلاَة ً من القَطِرانِ
فويلي على عفراءَ ويلٌ كأنّهُ =على النَّحْرِ والأَحشاءِ حَدُّ سِنَانِ
ألا حَبَّذا مِنْ حُبِّ عفراءَ مُلْتقى =نَعَمْ وألا لا حيث يَلْتَقِيانِ
أحقاً عبادَ اللهِ أنْ لستُ زائراً =عفيراءَ إلا والوليدُ يراني
لَوْ أَنَّ النَّاسِ وَجْدا وَمِثْلَهُ =مِنَ الجنِّ بعد الإنس يلتقيان
فيشتكيان الوجدَ تمَّت أشتكي =لأَضْعَفَ وَجْدِي فوقَ ما يَجِدانِ
وما تَرَكَتْ عفراءُ مِنْ دَنَفٍ دوى ً =بِدِوْمة ٍ مَطْويٌّ له كَفَنَانِ
فقد تَرَكْتَنِي ما أَعِي لمحدِّثٍ =حديثاً وإنْ ناجيتهُ ونجاني
وقد تَرَكَتْ عفراءُ قلبي كَّأَنَّهُ =جَنَاحُ غُرابٍ دائمُ الخَفَقَانِ
¥