" بنَي التَّايْمز " قَدْ جُرْتُمْ كَثيرًا فهَلْ لكُمْ عَنِ الْجَوْرِ ازْدجَارُ؟
أَفي أَسْواقِكُمْ نَصبًا وغَصْبًا تَسومُ (القِبْلَة) الأُولى التّجَارُ
إِخَالُ (القِبْلَةَ) انْسَجرتْ دِمَاءً كَمَا لِلْبَحْرِ باللُّجج انْسِجارُ
تَرَوْنَ لَهَا سِوَى العَرَبّي أَهْلاً وتَأْبَى التُّرْبُ فِيهَا والْحِجَارُ
فَلَيْسَ لَهَا بِلاَ فَمِهِ لِسَانٌ وَلَيْسَ لَهَا بِلاَ دَمِهِ نِجارُ
ألَمْ يُؤْلِمْكُمُ حَرَمٌ مُباحٌ وشَعْبٌ يَسْتجِيرُ ولا يُجارُ
إِذَنْ فالحَرْبُ لِلْعَربّي دَأْبٌ وَهَلْ تَخْفَى (الْبَسُوسُ) أو (الْفِجارُ)
شَدَدْتُمْ قَهْرَهُ فَعَلاَ انْفِجارًا وعُقُبَى شِدَّةِ القَهْر ِ انْفِجارُ (8)
إنَّ هذا الإحساس بالخطر جعل الشاعر محمد العيد, كغيره من الشعراء العرب والمسلمين, يُحِسُّ بِهذا الاحساس العارم بالقدس وفلسطين وأرضها ونضالها, وبخاصة بعدَ أنْ بدأت خيوط المؤامرة تتضح والأطماع الصهيونية تكشر عن أنيابِها عندما دعت " لجنة بيل " إلى تقسيم فلسطين كحل وسط, أحس الشاعر بالكارثة, وتألَّمَ من هذا المشروع المبيت, وشعر بالخطر على " القدس " التي يقدّسُها ويَحْملُ لها في نفسه (كغيره من أبناء العرب والمسلمين) تقديرا خاصا لِمَا لَهَا من مكانة في النفوس, فتراه يتحدث في أسس عن " القدس " سنة 1937 م, ويؤكّدُ حقّ العرب فيها (9) , يقول:
يا قِسْمَةَ القُدْسِ أَنْتِ ضِيزَى لم يَعْدِلْ القاسِمونَ فِيكِ
مَضَوْا عَلى الحَيْفِ لَمْ يُبالُوا بِمَا جَرَى مِنْ دَمٍ سَفيكِ
القُدْسُ لِلْعُربِ مِنْ زمانٍ لَمْ يَقْبَلُوا فيهِ مِنْ شريكِ
قَدْ سامَهُ الأجْنَبُّي خَسْفًا وهَدَّ مِنْ رُكْنِهِ السَّمِيكِ
يا (لُنْدُرة) لَوْدَرى بَنُونَا لم يَأْمَنُوا الْغَدْرَ مِنْ بَنيكِ
إخالُ شَعْبَ الْيَهُودِ سِرًّا سَبَاكِ بِالْعَسْجَدِ السَّبِيكِ
أَهَكَذَا تَفْصِلُ الْقَضاءِ بِحُكْمِها لَجْنَةُ الْمَلِيكِ؟
قَدْ دَلَّ طُغْيانُ انْكِلتْرَا عَلَى فَناء ٍ لَها وَشِيكِ (10)
وفي سنة 1938 م نظم الشاعر قصيدته الموسومة بـ (يا عام) , ونشرها في مجلة الشهاب الجزائرية يناجي فيها هذا العام ويستنطقه عن فلسطين, ويتحدّث فيها عن القضية العربية كلها سواء في فلسطين أو في شمال افريقيا, وما يجري فيها من مظالم ومآس يَمجُّهَا الذَّوق السليم, يقول:
يَا عامُ هَلْ فِيكَ خَيرٌ لِلْمُسْلِمينَ يُرَجَّى
أَخُوكَ يَا عامُ فِيه لَيْلُ الْمَظَالِم دَجَّى
صبَّ الأذَى فِيهِ صَبَّا فَرُجَّتِ الأَرْضُ رَجَّا
ألَمْ تَرَ الشّرْقَ فِيهِ من المظَالِم دَجَّى
سِيمَتْ فلَسْطِينُ خَسْفًا عَجَّ الحِمَى مِنْهُ عَجَّا
هَذا عن الأَهْل أُقْصِي وذَاكَ فِي السّجْنِ زُجَّا
وَفي الشّمالِ هَنَاتٌ يَمُجُّهَا الذَّوْقُ مَجَّا
والشَّرقُ وَلهانُ يَرْجُو أنْ يَسلكَ الأمْن فَجَّا
يودُّ إقْنَاعَ خَصْمٍ في غَمْطِه الحَقِّ لَجَّا
ويَبْتَغِي رَدْعَ جانٍ وجْهَ الْعَدالةِ شَجَّا (11)
"
ومن اللافت للنظر في هذه الأبيات أنَّها تنطبق حتى على وقتنا الحاضر, فهناك من لايزال يؤمن بِهذا الطريق الذي سلكه الجيل الماضي في مسالمتهم للاستعمار والصهيونية من الحكام العرب ... وكأنَّ الشاعر تنبأ بِما يجري الآن, فيخاطب الحاضر في الماضي" (12)
وفي ختام القصيدة يتوجه الشاعر بالحديث إلى ذلك العام, وهو لا يرجو منه الشئ الكثير, لأنَّه أشبه بالطفل الذي لا يُفصح عمّا في نفسه, مثلما كان الأمر بالنسبة للأعوام السابقة عليه (13) , يقول:
يَاعَامُ أشْبَهْتَ طِفلاً بالأبْجَدِيَةِ هَجَّا
هَلْ يَبْلُغُ الشَّطَّ أمْرٌ كالْفُلْكِ فِيكَ يُزَجَّى؟
وَهَلْ نُنَجَّى قَرِيبًّا مِنَ الأَذَى هَلْ تُنَجَّى؟ (14)
ولم يكتف محمد العيد بِمجرد التعبير عن تضامنه مع القضية الفلسطينية, وتأييده لقضايا الأمة العربية كلها سواء في فلسطين أو في شمال افريقيا, بل غيّر لهجته من التضامن إلى التهديد والوعيد, ووصف أخلاق اليهود وطباعهم الشريرة التي عرفوا بِها كالخداع والجبن والغرور وسواها, يقول محمد العيد في قصيدته " فلسطين العزيزة " التي نظمها سنة 1367 ه:
فَلَسْطينُ العزيزةُ لاَ تُراعِي فَعَينُ اللهِ رَاصدِةٌ تُراعِي
وحَوْلَكِ مِنْ بَنِي عَدْنانَ جُنْدٌ كَثِيرُ الْعَدِّ يَزْأرُ كَالسِّباعِ
¥