ولعل من بيان القرآن والله أعلم أن قوله ? ولقد آتيناك سبعا من المثاني ? الحجر 87 ليعني أن السبع من المثاني هي الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن، فالحديث المتفق عليه ومنه لفظ البخاري عن عمر مرفوعا " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه " اهـ حديث صحيح غير أن القراء لم يفهموه إذ حسبوا الأحرف السبعة تعني لغات العرب واختلاف الألفاظ، ولم يفقهوا أن النبي ? قد أرشد الأمة إلى السبع من المثاني التي تضمنها القرآن وهي غاية الأمر بالاستماع للقرآن والأمر بقراءته وتدبره، وسينتفع بحرف منها على الأقل من قرأ ما تيسر له من القرآن، فقوله ? فاقرأوا ما تيسر من القرآن ? المزمل 20 يعني أن من قرأ ما تيسر له من القرآن فقد قرأ حرفا من الأحرف السبعة أو أكثر، ويعني الحديث النبوي أن إدراك الأحرف السبعة وتبينها في كل موعود من موعودات القرآن في الدنيا هو الغاية التي من أجلها كلفت الأمة كلها بتدبر القرآن والتفكر فيه.
ولعل الأحرف السبعة والله أعلم هي:
1. الأسماء الحسنى
2. الغيب في القرآن
3. الوعد في الدنيا
4. النبوة
5. القول
6. الأمثال
7. الذكر
فإن لم تكن هذه هي الأحرف السبعة مجتمعة بذاتها فلقد اجتهدت ونحوت نحوها نحوا والعلم عند الله، وليجدن من تدبر القرآن أن كل موعود في القرآن ـ وهو كل حادثة ستقع في الدنيا قبل انقضائها ـ قد تضمنها كل حرف من هذه الأحرف السبعة، وتضمن كل حرف منها ما شاء الله من المثاني، وتضمنت كل واحدة من المثاني ذكرا من الأولين ووعدا في الآخرين، فمتى يعقل أولوا الألباب أن القرآن قول فصل وما هو بالهزل وأن رب العالمين قد فصله على علم، وأن الأمة لا تزال أمية لم تتدارسه بعد.
ولقد نحا الأولون قريبا من مما فهمت لكنهم لم يستطيعوا التفرقة بين الكتاب والقرآن ولا بين أحكام الكتاب كالناسخ والمنسوخ والحلال والحرام والعام والخاص والمجمل والمبين وبين خصائص القرآن كالأمثال والوعد في الدنيا والخبر بمعنى القصص.
إن الحديث النبوي الذي تضمن التمثيل بالأسماء الحسنى " عليما حكيما غفورا رحيما" ليعني أن الأسماء الحسنى حرف من الأحرف السبعة بيّنه النبي الأمي ? أحسن البيان فمثّل بواحد منها كما سيأتي قريبا إثباته.
بيان قوله ? أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ?
إن قوله:
• ? أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ? النساء 82
• ? وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون ? الروم 4
• ? ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? يونس 48، يس 48، الأنبياء 38، النمل 71، سبأ 29، الملك 25
• ? ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ? السجدة 28
• ? وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون لوما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ? الحجر 6/ 7
• ? ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ? الرعد 31
• ? ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده ? الحج 74
• ? ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ? آل عمران 194
ويعني حرف النساء أن القرآن تضمن موعودات في الدنيا ستقع كلها بعد نزول القرآن لا يختلف شيء منها عما أخبر الله به في القرآن من قبل وأن لو كان القرآن من عند غير الله لوجدوا اختلافا كثيرا بين موعوداته والحوادث المنتظرة بعده كما يجد الناس اختلافا كثيرا بين ما يقوله الكهنة والمشعوذون وبين ما يقع من الحوادث بعد.
ولقد فرغت بحمد الله من الجزء الأول من بيان القرآن وضمنته من موعودات القرآن ما شاء الله مما لم يقع بعد وسيقع في الدنيا وجميعه من ثوابت العقيدة الإسلامية التي آمن بها الصحابة فمن بعدهم إجمالا كما هو مقتضى إيمانهم بالغيب، وإيمان كل مؤمن بالغيب، وأثبتّ كل موعود منها بهذه السبع من المثاني وضمنت كل واحدة منها ما شاء الله من المثاني حسب ما أبصرت ـ بفضل الله ـ من بصائر القرآن المنزل على النبي الأمي ?.
¥