تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لماذا لا نتوقع أن تتعدد صور الإعجاز العددي في القرآن، بتعدد الرسم، و بتعدد تلك القراءات؟ ولماذا لا نحتكم إلى القرآن، بدل أن نحتكم إلى أقوال واجتهادات لا نعلم يقينا مدى صحتها , فنحكم بها على ما يكتشف من إعجاز؟

إن معارضة على هذا النحو، وبهذا الأسلوب، ستؤدي إلى قرون أخرى من النقل والتكرار واجترار الماضي بكل ما فيه.

(2) محاكاة التناسق العددي في القرآن:

الحجة الثانية التي يتسلح بها البعض في مواجهة الإعجاز العددي،ما يرونه من أن مسألة العدد هي في متناول البشر، ففي إمكان فرد أو جماعة، تأليف كتاب مثلا، وتضمينه أسرارا عددية، أو يتحرون فيها تناسقا وتوازنا بين أعداد عدد من الكلمات. وانطلاقا من هذا التصور، يرون أن ما يعتبره البعض من التوازن والتناسق العددي في القرآن ليس إعجازا، وانه في متناول الناس. والواضح من هذه الحجة أن هؤلاء يظنون الإعجاز العددي هو تناسق أو توازن في عدد من الكلمات. وما هو كذلك.

يقول أحدهم: إن بإمكان مؤلف أن يضع كتابا من عدد من الصفحات من مضاعفات الرقم 19، وان يجعل كل فصل مؤلفا من 19 صفحة، وكل صفحة من 19 سطرا ... ويتساءل بعد ذلك: فأين هو الإعجاز في العدد 19؟

هكذا بكل بساطة، يتخيل صاحبنا الإعجاز العددي، ولسنا نرى في هذا التصور غير مقدمة خاطئة قادت إلى نتيجة خاطئة ..

هذه الحجة – القدرة على محاكاة الإعجاز العددي في القرآن - تدل على الجهل التام بحقيقة ترتيب القرآن بمستوياته المتعددة، فترتيب سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه ليس على هذه الصورة المتخيلة. إن ترتيب القرآن شيء مختلف تماما، والأرقام في القرآن مختلفة عن هذا التصور البسيط.

ويغيب عن أصحاب هذا الرأي، الطريقة التي نزل بها القرآن، والطريقة التي رتب بها. لقد نزل القرآن مفرقا حسب الأحداث والوقائع وحاجات الناس، سورة، فمجموعة من الآيات، فجزء من سورة لم تكتمل، فسورة كاملة .. ثم جمع في النهاية على نحو مغاير تماما لترتيب النزول (ترتيب التلاوة الآن) وان هذا الترتيب الذي انتهى إليه القرآن،قد تم بتوجيهات كان ينقلها جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم، و بدوره ينقلها إلى كتبة الوحي .. وبناء على ذلك،فإن من المستحيل أن نجد في أي كتاب بشري تناسقا يشبه ما في القرآن،إذا روعيت الطريقة نفسها التي نزل بها القرآن. يمكن للباحث مثلا بعد أن ينهي كتابه، أن يعود فيراجعه،ويحصي كلماته وحروفه، ثم يختار بعضها، ويقوم بالتعديل والحذف والزيادة ليحقق عددا من التناسقات العددية، حتى مع امتلاك القدرة على ذلك، يظل ما في القرآن مختلفا تماما. القرآن نزل مفرقا حسب الوقائع والأحداث، وجمع في النهاية على نحو مغاير تماما لترتيب نزوله، ثم اكتشف في هذا الكتاب بعد قرون طويلة أنه محكم الترتيب، ترتبط سوره وآياته وكلماته وحروفه بعلاقات رياضية لا حصر لها. إذا اتضح لنا هذا فإن من المستحيل أن يبدأ كاتب بتأليف كتاب، وبعد الانتهاء منه يجد فيه من الترابط والتناسق والتوازن مثل ما في القرآن.

ونضيف إلى ذلك، أن أخذ القرآن بنظام رياضي – عددي في ترتيبه ,لم يكن عائقا أمام انتهاء القرآن إلى نظام غاية في البيان والفصاحة، دون أدنى تعارض بينهما، ودون أن يكون أحدهما على حساب الآخر.

ونقول لأصحاب هذه الحجة: إن تفرد القرآن بهذه الميزة هي ما يؤكد أنه كتاب الله الكريم، وليس كتاب محمد صلى الله عليه وسلم كما يزعم المفترون والمشككون بالقرآن. فكيف نرفض وجها من الإعجاز هو ما يميز كتاب الله عن أي كتاب؟

إن محاكاة ترتيب القرآن أمر ليس في متناول البشر لا أفرادا ولا جماعات.

(3) تناسق وليس إعجازا:

ويرى البعض أن ما يكتشف من الترابط العددي، والعلاقات الرقمية بين سور القرآن وآياته وكلماته، هي من التناسق العددي، ولكنها ليست إعجازا.

والقائل هنا يعتبر إعجاز القرآن في لغته وبيانه، وليس في أعداد سوره وآياته وكلماته، وما يرتبط بذلك من علاقات يرى فيها البعض إعجازا، إلا أنه يقر بأن في هذا التناسق ما يدل على صدق الرسول وأن القرآن كتاب الله الكريم المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.

ويبدو الخلاف هنا هو في المصطلح، هل هو تناسق أم إعجاز؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير