ونرد على هذه الحجة أيضا، بالآية نفسها التي يستشهدون بها على أن وجه التحدي الذي جاء في القرآن إنما هو في لغته وبيانه وهي قوله تعالى:
) قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (الإسراء 17/ 88)
هل نجد في هذه الآية تحديدا لوجه الإعجاز المتحدى به؟ الآية تقول " بمثل هذا القرآن " ولم تقل بمثل لغته وفصاحته. بعبارة أخرى إن الآية لم تحدد الوجه المتحدى به على سبيل الحصر، هل هو اللغة، التشريع، الأخبار، العلم، الترتيب .. لقد تركت الباب مفتوحا لأي اكتشاف جديد يؤكد إعجاز القرآن. فإذا كانت الآية لم تحدد وجها واحدا للإعجاز، فلماذا يتولى البعض القيام بهذه المهمة. القرآن هو المعجزة التي أيد الله بها خاتم الأنبياء والمرسلين , وبما أن هذه المعجزة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإن من صفات هذه المعجزة أنها متجددة بتجدد الأجيال والعصور، لكل جيل فيها نصيب، ولكل عصر فيها نصيب .. لقد وجد الذين عاصروا الرسالة في لغة القرآن وبيانه ما يعجزهم ويدلهم على صدق النبي المرسل إليهم، وكذلك ستجد الأجيال القادمة في معجزة القرآن الوجه الذي يناسبهم .. إن اقتصار إعجاز القرآن على لغته وبيانه، يعني الوقوف بإعجاز القرآن عند زمن البلاغة والبيان، فماذا لزماننا نحن؟
(4) الإعجاز العددي بدعة:
الإعجاز العددي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. هكذا يرى البعض الإعجاز العددي. فهو مما لم يعلمه السلف الصالح، ولا العلماء الأجلاء الذين يؤخذ عنهم العلم، ولو علموا فيه خيرا لما فاتهم. هذه هي حجتهم في رفض هذا الوجه من إعجاز القرآن .. نقول: لو كان الأمر كما يزعمون، فنقط القرآن وتشكيله بالحركات هو مما لم يعرفه السلف الصالح، فلماذا السكوت عليه؟ أرقام الآيات في القرآن هي أيضا مما لم يعرفه الصحابة، فلماذا الأخذ بها؟ أليست بدعة؟ إن كثيرا مما يكتب في تفسير القرآن هو أيضا مما لم يكن معروفا، فما حاجتنا إليه؟ ولماذا لا نتوقف عند تفسير ابن عباس مثلا؟
كما أن اكثر ما يكتب عن الإعجاز العلمي اليوم،هو أيضا مما لم يكن معروفا من قبل، فلماذا نقبل به؟ هل المطلوب منا أن نتوقف عند ما عرفه القدماء، وأن لا نتجاوزه؟
إن أصحاب هذه الحجة لا يفرقون بين زمن وزمن، ويتناسون أن ما وفره لنا هذا العصر من أدوات المعرفة، هو مما لم يكن متوفرا من قبل، إن في وسع الباحث اليوم أن يجري من العمليات الحسابية في ساعة باستخدام الحاسوب، ما لو فكر أحد القدماء أن يفعلها لاحتاج إلى عمره كله، هذا إذا توفرت له الأوراق والأقلام، ومعنى ذلك، أن وصول الباحث اليوم إلى ما لم يعرفه القدماء أمر طبيعي، ليس فيه انتقاص من قدر أحد، بسبب ما وفره له العصر من أدوات. وبالتالي فإن ظهور هذا الوجه من الإعجاز في عصرنا هذا هو أمر طبيعي جدا. إن وجود هذا الوجه من الإعجاز في القرآن، دليل مادي ملموس على أن القرآن كتاب الله الكريم، وأنه المعجزة المتجددة بتجدد العصور والأجيال؟
(لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) (الأنعام 6/ 67)
(5) تقديس الأعداد:
ويبرر البعض رفضه للإعجاز العددي،بأن هناك من الناس من يقدس العدد ويوظفه فيما يتعارض مع الدين (يعنون بذلك البهائيين وتقديسهم للرقم 19). وهي حجة أغرب من سابقتها. فماذا نفعل إذا وجد من الناس من يقدس البقر، هل سنحرم أكلها؟ وإذا قدس الناس القمر فماذا نفعل؟ هل سنحرم النظر إليه؟ وإذا كان هناك من يستغل العدد لأغراض خاصة تخالف الدين، فهل يكون موقفنا هو رفض كل ما له صلة بالعدد؟
إن هذه الانحرافات واستغلال جماعة ما للعدد بما يخالف الشرع،سبب لمزيد من الاهتمام والدراسات للعدد في القرآن، لبيان الصحيح من الخطأ للآخرين، وهذا يعني أخيرا أن تقديس بعض الناس للعدد في القرآن هي حجة للبحث في العدد لا حجة لتركه.
(6) القرآن كتاب هداية وإرشاد لا كتاب رياضيات وعلوم:
ويحتج البعض بالقول أن القرآن كتاب هداية وإرشاد وليس كتابا في الرياضيات والعلوم، وبالتالي فإن صرف الوقت في البحث عن الأعداد في القرآن، لإثبات إعجازه العددي، إضاعة للوقت وانصراف عن التدبر في آيات القرآن.
¥