أقول: هل وجدت خلاف التفسير المعاصر عند السلف؟ إن ظاهر الآية واضح يفهمه العربي بلا إشكال، أما التفصيل الذي توصل إليه الباحثون المعاصرون، فهو لا يخاف هذا المعنى الظاهر، ولو كان فيها إشكال عندهم لأبانوا عن هذا الإشكال، وكوننا لم نفهم الآية إلا بالاستعانة بالعلوم الحديثة فإن هذا الكلام فيه نظر؛ وإنما لم نفهم تفاصيل في المعنى الإجمالي الواضح الظاهر، وهذا لا إشكال في وجوده في مسائل التفسير لا في صلب التفسير، وأعني بذلك أن المعاصرين قد يذكرون من التفاصيل التي تزيد على التفاسير المجملة التي ذكرها السلف، ولا يكون في تفسيراتهم نقض لما جاء عن السلف، وهذا كثيرٌ.
وأما كون (الحجة بالمنهج العلمي لا بالاعتماد على أخطاء الآخرين)، فلا أختلف معك في هذا، لكن هل ترى أن تُترك مثل هذه الأخطاء بلا بيان؟!
وإذا كنت رأيت في كلامي ما يخاف الحجة العلمية فلا تبخل عليَّ بها، وفقني الله وإياك إلى ما يحب ويرضى.
رابعًا: قولكم: (ومن جهة أخرى فهل تفسير الصحابة والتابعين وتابعيهم قطعي أم ظني؟! فإن كان قطعياً في بيان الصحيح من مراد الله تعالى فإذاً لم الاختلاف في التفسير إلى وقتنا الحالي والبحث عن عجائب القرآن التي لا تنقضي كما في الحديث، وإن كان تفسير السلف ظنياً فهو مقدم على غيره لقرب العهد من نزول القرآن ومن حيث اللغة وقوة الاستنباط، ولعلك تتفق معي أن كثيراً من تفاسير الصحابة والتابعين وتابعيهم يدخل في الاجتهاد والتفسير بالرأي. المحمود المعتبر).
فأقول:
1 ـ هل يمكننا القول بأن في القرآن ما جُهل معناه على الصحابة قاطبة، ثم على التابعين وأتباعهم؟
2 ـ أقول: إنه ما من آية تحتاج إلى بيان معنى ـ وليس ما يتعلق بها من مسائل التفسير ـ إلا وُجِد فيها عن السلف بيانٌ، وإن خفي علينا وجهه، فلنقص عندنا.
والخلاف بينهم لا يُخرج قولهم عن البيان، سواءٌ اكان اختلاف تنوع أم اختلاف تضاد.
والذين جاءوا من بعدهم كان لهم إضافات، ولا خلاف في أنها إما أن تكون صحيحة، وإما أن تكون باطلة، كما أنها قد تكون في بيان المعنى، وقد تكون في مسائل الآيات التي هي خارج بيان المعنى.
وإن ما كان خارج بيان المعنى فإن كلام المتأخرين فيه كثير جدًّا، ولا يلزم فيه إلا الصحة بخلاف المعنى الذي تكلم فيه السلف فإنه يلزم فيه ـ مع الصحة واحتمال الآية له ـ عدم مناقضة قول السلف؛ لأن هذا يفضي إلى أن الأمة كانت تجهل شيئًا من معاني كلام ربها، وهذا ـ عندي ـ محال؛ لأن هذا يناقض أن تكون آيات الكتاب مبينة، ويلزم منه أن الله تكلم لمن نزل عليهم الخطاب بما لا يدركون له معنى فيما يعرفونه من لغتهم.
وأعود فأقول: إن الزيادة الصحيحة التي تحتملها الآية قد أثبتها العلماء جيلاً بعد جيل، وقد بينت هذا في شرحي لمقدمة شيخ الإسلام وغيرها، لذا أرجو أ، يُفهم كلامي على وجهه، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد.
ـ[مرهف]ــــــــ[14 Jan 2008, 04:36 م]ـ
دعنا نذكر مواطن الاتفاق حتى لا تتكرر مني ومنكم أيدكم الله ثم نتناقش في ما اختلفت فيه الآراء، فكلانا حفظكم الله نتفق على:
1 - أن الأمة مع تقدم العصور لم يفتها شيء من تفسير القرآن على وجه صحيح معتبر.
2 - لا يجوز تجاهل ما ورد عن سلفنا الصالح في تفسير الآيات واعتباره في كل اتجاهات التفسير، ومن فعل ذلك - كالذين نقلت عنهم - مخالف لطرق التفسير الصحيحة المعتبرة، وكلامهم يضرب به عرض الحائط.
3 - الزيادة في المعنى على ما ورد عن السلف أمر مطلوب وشأن معروف لا ينكر إن كان يتفق مع الأصول العلمية المقررة.
4 - ينكر على من يطوع نصوص القرآن ودلالاته للمصطلحات الاختصاصية ويحكمها فيه وينبه على خطأه بالطريقة العلمية.
بالنسبة لآية النحل فإني لم أجد كما قلت سابقاً أثراً يبين هذه الآية عن الصحابة ولا عن التابعين ولا تابعيهم اللهم إلا ما روي عن ابن عباس وسنده شديد الضعف، وأما متنه فهو مخالف لما ثبت في العلوم التشريحية ولذلك حاول أبو السعود تأويله وتوجيهه ولكن تعقبه الألوسي، وهذه الآية مما تناولتها بالدراسة التحليلية في رسالتي الدكتوراه التي ستناقش إن شاء الله بعد أشهر، وأعيد المطالبة لكم بالبحث التفصيلي في هذه الآية لتكون مثالاً عملياً في الإجابة على أسئلتكم فيما بعد، [ينظر مثلاً الدر المنثور للسيوطي وموسوعة الصحيح المسبور من التفسير التفسير بالمأثور د حكمت ياسين] فإذا لم يثبت لدينا ورود أثر عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في بيان الآية والبينية في آية اللبن من سورة النحل فقد وقع الجواب عن سؤالكم بأن في القرآن ما جهل معناه على الصحابة حسب ما ورد إلينا ولا أقول قاطبة، لأن عدم الوجود لا يعني عدم الوجدان في نفس الأمر، ونحن نعمل بما ثبت بين أيدينا ولا نرجم بالغيب.
والذي أعلمه منكم أخانا أبا عبد الملك من قراءتي لما كتبته حول الإعجاز العلمي عدم معارضتكم لهذا الاتجاه في الأصل ولكن للأخطاء الواردة فيه، فإن كان تعريف الإعجاز بما انتقدت في رأيك غير صحيح فما هو التعريف السليم، فإن الوقوف عند النقد فقط دون بيان الوجهة الصحيحة يفهم للقارئ غير حقيقة الحال عن الكاتب، كما أود القول أني بنقاشي لكم في هذا الموضوع لا أدافع عن أشخاص ولا أحامي عنهم، وإنما نتحاور في قضية علمية لنستبين وجه الحق فيها بقدر الطاقة فأسأل الله أن يهدي قلبي وقلبكم ويسدد قلمي وقلمكم.
¥