تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[12 Jan 2008, 06:51 م]ـ

أشكر لأخي الكريم الفاضل الشيخ د. مساعد الطيار همته، ومبادرته للكتابة عن الإعجاز العلمي عند ابن عاشور.

وإن كان هناك من بركة فهي بسببه، وبسبب الشيخ د. إبراهيم الحميضي؛ فالشيخ د. إبراهيم هو صاحب الفكرة والدعوة الأولى، والشيخ د. مساعد صاحب الدعوة الأخيرة.

ثم يزجى الشكر للشيخ د. عبدالرحمن الشهري لنشره نص اللقاء، وبيانه ما دار فيه، وكذلك للإخوة المشاركين الذين تكرموا بإثراء هذا الموضوع.

والمقصود بالإعجاز العلمي ههنا الحقائقُ العلمية التي كشف عنها العلم، ووافقت أحدث ما انتهى إليه الكشف العلمي في هذا العصر مع كونها مجهولة في عصر النبوة وما بعده لقرون عديدة.

والشيخ ابن عاشور -كما يقول الدكتور بلقاسم الغالي-: "حين يأخذ بهذا اللون من الإعجاز إنما يأخذ به في اعتدال فهو يخالف الشاطبي الذي يرى (أن الشريعة أمية ليس فيها من علوم المتقدمين والمتأخرين شيء؛ لذلك لا ينبغي تناول آيات القرآن من وجهة نظر العلوم الحكمية بجميع أنواعها).

وهو يخالف المغالين الذين أسرفوا في تأويل آيات إلى حد التكلف والمجافاة للفظ القرآن وسياقه، ولم يخرج الألفاظ والتراكيب عند مدلولاتها اللغوية، ولم يحمل النصوص ما لا تحتمل" ا-هـ.

وقد تعرض الشيخ ابن عاشور في تفسيره لمسائل في الإعجاز العلمي، ونص على هذه التسمية في مواضع عديدة كما في المقدمة العاشرة من تفسيره، وكما في تفسيره لقوله -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً ... ) الأنبياء:30.

وكما في تفسيره لقوله -تعالى-: (خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ) العلق.

ولقد أوغل الشيخ ابن عاشور في هذا الباب برفق؛ حيث لم يكن ممن أنكروا ذلك، ولم يكن -أيضاً- ممن أغرق في النظريات العلمية، واسترسل مع دقائقها؛ فلعل هذا هو المنهج الراشد في هذه المسألة.

وعلى كل حال فهناك مادة طيبة في تفسير ابن عاشور حول هذا الشأن؛ فلو استقصى باحث مادة الإعجاز العلمي بجميع تفريعاتها -أي أنه بحث في كلمة إعجاز، أو معجزة علمية، أو نحو ذلك من مشتقات هذه المادة– لظفر بمادة لا يستهان بها؛ فكيف إذا أضاف إليها ما لم ينص عليه بأنه إعجاز، وإنما ساقه في نحو ذلك المساق، وذلك عندما يتعرض إلى كثير من النظريات في علم الطب، أو التشريح، أو الفلك، أو المعادن، أو الطير، أو الحيوان، أو نحو ذلك مما له مساس بالإعجاز العلمي، كحديثه عن حالة النوم 21/ 76 وعن ألوان لحوم البشر 21/ 47 - 75؟.

لا شك أن ذلك سيكون إضافة علمية عظيمة لعلها تؤيد هذا العلم، وترشِّده، وتُعْظِم الفائدة منه –إن شاء الله-.

وعسى الله أن يقيض لهذا البحث من يقوم به، ولعل الشيخ د. مساعداً ينبري لهذا العمل الجليل، وله دعاء وثناء جميل في العاجل، وثواب جزيل وأجر غير مجذوذ في الآجل.

وقبل الختام أود أن أشير إلى أن نسخة التفسير التحرير والتنوير الموجودة على الشبكة العالمية تحتوي على سقط وخطأ كثير جداً، إلا إن كان هناك نسخ جديدة نزلت حديثاً.

وأختم هذه المشاركة بأنه لا ينبغي الاستهانة بموضوع الإعجاز العلمي؛ لأن نفراً غير قليل من المسلمين وغير المسلمين يستهويهم هذا الباب، خصوصاً الباحثين الجادين من غير المسلمين في مجالات العلوم المادية البحتة، فربما دخلوا الإسلام بسبب ما وقفوا عليه من نصوص الكتاب والسنة في هذا الشأن.

ولقد اعتنق بعض الأوربيين الإسلام لما وجد وصف القرآن للبحر وصفاً شافياً مع كون النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يركب البحر طول عمره، و1لك مثل قوله –تعالى-: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) النور: 40.

ولقد كان لهذا النوع –أعني الإعجاز العلمي- رواج إبان موجة الإلحاد الذي روجت له الشيوعية، وقد أنقذ الله به أمماً من مستنقع الإلحاد الآسن.

ومن نظر في كتاب (الله يتجلى في عصر العلم) -وقد كتبه ثلاثون من علماء الطبيعة، والفلك ممن انتهت إليهم الرياسة في هذه الأمور (1) - ومثله كتاب (كريسي مريسون) رئيس أكاديمية العلوم بنيويورك (الإنسان لا يقوم وحده) وترجم إلى العربية تحت عنوان (العلم يدعو إلى الإيمان) (2) – يدرك أن العالِمَ الحقيقي لا يكون إلا مؤمناً، وأن العامي لا يكون إلا مؤمناً، وأن الإلحاد والكفر لا يكونان إلا من أنصاف العلماء وأرباع العلماء، ممن تعلم قليلاً من العلم، وخسر بذلك الفطرة المؤمنة، ولم يصل إلى العلم الذي يدعو إلى الإيمان.

وقل مثل ذلك في كتاب (التوراة والإنجيل والقرآن والعلم) للدكتور الفرنسي موريس بوكاي حيث بين في هذا الكتاب أن التوراة المحرفة، والإنجيل المحرف الموجودين اليوم يتعارضان مع الحقائق العلمية، في الوقت الذي سجل فيه هذا الكتاب شهادات تفوق للقرآن الكريم سبق بها القرآن العلمَ الحديث.

وأثبت الكاتب من خلال ذلك أن القرآن لا يتعارض أبداً مع الحقائق العلمية، بل إنه يتفق معها تمام الاتفاق.

ــــــــ

(1) تأليف نخبة من العلماء الأمريكيين بمناسبة السنة الدولية لطبيعيات الأرض، أشرف على تحريره: جون كلوفرمونسيما، ترجمة د. الدمرداش عبدالمجيد سرحان، راجعه وعلق عليه د. محمد جمال الفندي.

(2) ترجمه إلى العربية محمد صالح الفلكي، والكتابان من منشورات دار القلم – بيروت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير