تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ذِكْرُ اللهِ مُقدَّمٌ على كُلِّ أمْرٍ ذي بالٍ، ومَن لم يُطِعِ اللَّهَ فعُمرُه عليه وبالٌ، فحقٌ على كلِّ مُتعاطي أمرٍ أن يجْعلَه مُفتتحَه ومُختتمَه؛ عسى اللَّهُ أن يُسامِحَه فيما اجْترمَه، فما عمِلَ ابنُ آدمَ مِن عملٍ أنجى له مِن عذابِ اللَّهِ مِن ذِكْرِ اللَّهِ، ولوْ كُنّا مُفيضين في غيْرِ البابِ الذي إليه تصدَّيْنا وإيّاه انتحيْنا - لالْتزمْناه في كُلِّ فصْلٍ، وأعْددْناه ذخيرةً ليومِ الفصْلِ؛ ولكنا - بعونِ اللَّهِ وتأييدِه وتوفيقِه وتسديدِه - في كتابِه نتكلّمُ، وبِذِكْرِه الكريمِ نبْدأُ ونخْتِمُ، ومُتناولُنا القولُ في جُملٍ من علومِ كِتابِه العزيزِ؛ إذ كانتْ عُلومُه لا تُحْصى، ومعارِفُه - كما سبق بيانُه منّي - لا تُسْتقْصى، وعلى الخبيرِ سقطتَّ، فإنّا جعلْناه أيامَ طلبِنا غرضَنا الأظهرَ، ومقصدَنا الأكبرَ؛ لأنّه الأوّلُ في المعْلوماتِ، والآخِرُ في المبادي مِنَ المعارفِ والغاياتِ. وقدِ انتحى العلماءُ هذا الغرضَ الذي نحن فيه، فآخِذٌ بِحظٍّ ومُقصِّرٌ في آخَر، وربُّنا يعلمُ المُسْتقدِمَ مِنَ المُسْتأْخِر؛ فالْعِلم مقسومٌ كما أنَّ الرِّزْقَ محْتومٌ، وهو مِنّةٌ.

قد نجز القول في القسمِ الأولِ من علومِ القرآنِ وهو التوحيدُ، وفي القسمِ الثاني وهو الناسخُ والمنسوخُ - على وجهٍ فيه إقْناعٌ، بل غايةٌ لِمَن أنصفَ وكِفايةٌ، بل سعةٌ لمن سلّم للحقِّ واعترفَ؛ فتعيّنَ الاعتناءُ الآنَ بالقسمِ الثالثِ؛ وهو القولُ في أحكامِ (أقوالِ) المكلَّفين الشرعيةِ، وهو بابٌ قرَعَه جماعةٌ (فما ولجوا) وأغاروا فيه على صاحبِه، فبحثوا منه ما بحثوا واستخْرجوا، والفضلُ للمتقدِّمِ. ولم يؤلِّفْ في البابِ أحدٌ كتاباً [به] احتفالٌ إلا محمدُّ بنُ جريرٍ الطبريُّ شيخُ الدينِ، فجاء فيه بالعجبِ العُجابِ، ونثر فيه لُبابَ الألبابِ، وفتحَ لِكُلِّ مَن جاءَ بعْدَه إلى معارفِه البابَ؛ فكُلُّ أحدٍ غرَفَ مِنْه على قدْرِ إنائِه، وما نقصَتْ قطْرةٌ مِن مائِه. وأعْظَمُ مَنِ انتَقى مِنْهُ الأحكامَ بَصِيرَةً القاضي أبو إسْحقَ؛ فاسْتخْرَجَ دُرَرَها، وَاسْتَحْلبَ دِرَرَهَا، وهو وإن كانَ قد غيّرَ أسانيدَها فقَدْ ربطَ مَعاقِدَها. ولم يأْتِ بعْدهما مَن يلْحقُ حدَّهما.

ولَمّا مَنَّ اللَّهُ بالاسْتِبْصارِ في اسْتِثارةِ العُلومِ مِنَ الكِتابِ العزيزِ حسْبَ ما مهَّدَتْهُ لنا المَشيَخةُ الّذين لقينا - نظرناها مِن ذلك المطرحِ، ثُمّ عرضْناها على ما جاءَ بِه العلماءُ، وسبرْناها بِمِعْيارِ الأشْياخِ، فما اتّفقَ عليه النّظرانِ أثْبتْناه، وما تعارضا فيه شجرْناهُ وشحذْناهُ حتى خلُصَ [نضا] رُه ورق عرارُه؛ فنذْكُرُ الآيةَ، ثُمّ نعْطِفُ على كلِماتِها، بلْ حُرُوفِها، فنأْخُذُ معْرِفتَها مُفْردةً، ثُمّ نُركِّبُها على أخواتِها مُضافةً، ونلحَظُ في ذلكَ قِسْمَ البلاغةِ، ونحْترِزُ عن المُناقضةِ في الأحكامِ والمُعارضةِ، ونحْتاطُ على جانِبِ اللُّغةِ، ونُقابِلُ ما في القرآنِِ بما وردَ في السُّنّةِ الصَّحيحةِ، ونتحرّى وجْهَ الجمْعِ؛ إذِ الكُلُّ مِنْ عِندِ اللَّهِ، وإنّما بُعِثَ مُحَمَّدٌ - صلّى اللَّهُ عليه وسلّمَ - لِيُبيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزّلَ إليْهِمْ، ونُعقِّبُ ذلكَ بِتوابِعَ ووظائِفَ لا بُدَّ في تحْصيلِ العِلْمِ بها منها؛ حِرْصاً بِأن يأْتِيَ القوْلُ مُسْتقِلاًّ بِنفْسِه، إلاّ أن يخْرُجَ عنِ البابِ فنُحيلَ عليه في موْضِعِه مؤْثِرين للاخْتِصارِ المُفيدِ للاسْتيفاءِ، مُجانبين للتّقْصيرِ والإكْثارِ، وبسنة اللَّهِ ورسولِه نقْتدي، وإيّاه سُبحانَه نسْتهْدي، فمَن يهْدِ اللَّهُ فهُو المُهْتدِي، لا ربَّ غَيْرُه.

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[09 Nov 2010, 09:12 ص]ـ

الأخت الكريمة الفجر الباسم: وفقك الله وأحسن إليك.

الأخ الكريم حسين بن محمد: وفقك الله وبارك فيك، وهذه المقدمة تامة ولله الحمد كما في مخطوطة برلين، وهي جديرة بأن تطبع وتوضع في موضعها من نسخة الباحث في المكتبة، حتى يقيض الله للكتاب من يقوم بتحقيقه تحقيقاً علمياً يليق به وبمكانة مؤلفه رحمه الله.

ـ[ضيف الله الشمراني]ــــــــ[09 Nov 2010, 11:45 ص]ـ

فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن الشهري: ذكر فضيلتكم في برنامج مداد أن أحكام القرآن لابن العربي مودع بكامله في جامع القرطبي.

فما الحاجة إذاً لإعادة تحقيقه؟

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[09 Nov 2010, 12:02 م]ـ

فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن الشهري: ذكر فضيلتكم في برنامج مداد أن أحكام القرآن لابن العربي مودع بكامله في جامع القرطبي.

فما الحاجة إذاً لإعادة تحقيقه؟

كلُّ الشموعِ لا تغني عن الشمس يا أبا غادة، وقولي بأَنه مودعٌ بكامله في الجامع أقصد من حيث العموم والمسائل المهمة، وأَما أنه مودع بكل تفاصيله فكلامي مردود عليَّ إن قصدتُ ذلك. ولكلام ابن العربي مكانته الخاصة التي لا ينوب عنه فيها كتاب آخر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير