تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لتحليل مفهوم تفسير القرآن بالقرآن، يلزم تحقيق الألفاظ المفردة المكونة له، وتحصيل معانيها المستقلة المستفادة من المعطيات الصوتية، والصرفية، والمعجمية، ثم التداولية، تمهيداً للوصول إلى الألفاظ المركبة، واستخراج دلالتها، مما يكفل الاستثمار الوظيفي لما يفيده كل من الواقع الاستعمالي المحقَّق للكلمة، ونظامها الافتراضي المجرد.

1. تحليل المفردات:

* مفهوم التفسير:

الدلالة الصوتية:

تقع الفاء والسين والراء في الطرف العلوي للجهاز الصوتي؛ فالفاء من الحروف الشفهية، والراء من الحروف الذلقية، والسين من الحروف الأسلية، مما ييسر نطقها، خاصة أن الفاء تخرج من بين الشفتين، وأن الراء تخرج من ذلق اللسان، فهي من الحروف التي مذل بها اللِّسان، وسهلت عليه في المنطق، فكثرت في أبنية الكلام. أي أن الكلمة المؤلفة منها تتضمن معنى تيسير التداول، وتعميم الاستعمال، وهي مهمة التفسير الذي يقرب معاني المفسَّر ويبسطها للمتلقين. ويؤكد هذا، ما يفيده حرف السين دلالياً وجمالياً، فهو من جهة يوحي بالسعة والشمول، وهما ما يتسم به التفسير، نظراً لمحاولته الإحاطة بمعاني المفسَّر، واستيعاب آفاق انتظار المخاطبين، وهو من جهة أخرى لا يدخل على بناء إلا حسّنه، لأن السين لانت عن صلابة الصاد وكزازتها، وارتفعت عن خُفوت الزاي فحسنت، ومعلوم أن حسن منهج التفسير، وحسن طريقة عرضه، هما الضامن لانسجامه وقبوله.

وتكرس الراء هذه المعاني وتقويها، لأنها تحمل معنى ترديد الشيء وتكراره مرات عديدة، ولأن التكرار تقويةٌ للمعنى المحدَّث به والمستفاد من مجموع الكلمة. ولكن يضعف من قيمتها دخول الفاء، لأنها إذا اقترنت في كلمة بحرف أو أكثر من الحروف الآتية: الدال والتاء والطاء والراء واللام والنون، دلت على الوهن والضعف، ومنه ينتقل هذان المعنيان إلى 'التفسير' عبر الاشتقاق. ولا يخفف من حدتهما إلا صياغة الكلمة على وزن (تفعيل) المفيد للتكثير والتقوية. ويترجم ذلك دلالياً إلى أن الحكم بالضعف والرد، مصيرُ كل تفسير ينسب معنى ما إلى المفسَّر، دون أن يكون مشفوعا بما يقويه. وكما أن الصياغة هي التي جعلت لفظ التفسير يرتفع نوعاً ما عن معنيي الضعف والوهن، فإن العمل التفسيري لا يتقوى، إلا بأن يصاغ وفق نسق منهجي منظم، يوصل للكشف عن المراد.

الدلالة المعجمية:

تدل مادة الفاء والسين والراء، كيفما وقعت، على الوضوح والبيان، وهذا من باب الاشتقاق الأكبر. فكون الفاء والسين والراء مادة واحدة، يعني أنها مهما شُكلت على صور مختلفة، فكأنها لفظة واحدة من حيث دلالتها على معنى معين هو الوضوح والبيان. وقد أفضى النظر في جهات تركيبها الست، إلى رد ثلاثة منها (ف. س.ر - ف. ر.س - س. ف.ر) إلى أصل الوضوح والبيان. ذلك أن مادة الفاء والسين والراء، إذا ركبت على شكل "فسر"، فإنها تعني كشف المغطى ببيانه وإيضاحه، ويكون التفسير بمعنى كشف المراد من اللفظ المشكل عن طريق إيضاحه وتبيينه، وإذا جاءت على شكل (ف. ر. س) فمنها تأتي الفراسة، التي تعني عمقاً في النظر، والتثبت للشيء والبصر به، وفراسة المؤمن: ملكة باطنة، تجعل صاحبها ينظر بنور الله، فيستشعر الأمر الخفي بصدق حس أو دلالة خبر. أما إذا جاءت السين قبل الفاء والراء فهي أصل واحد يدل على الانكشاف والجلاء.

الدلالة الصرفية:

وهي آخر محطات تفكيك المعنى على المستوى الإفرادي، وتمكِّن من تسييج المساحة التي يحيل عليها التفسير داخل المجال المعجمي المشترك. ونكتفي هنا باستثمار صيغة (تفعيل) في جانبها الإفرادي، بمعزل عن نوع مقولتها التركيبية، فننطلق من أن صيغة (تفعيل) تفيد المبالغة والتكرار والتكثير. وبذلك تكون دلالة "التفسير"، هي ناتج تركيب معنى "التفعيل"، على معنى "الفسر"، وفقاً للعملية الإجرائية التالية:

التفسير = الفسر+التفعيل لتفسير = الوضوح والبيان+المبالغة والتكرار والتكثير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير