تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أي أنه يحمل معاني المبالغة والتكرار والتكثير، التي تتسق مع مهامه وطريقة اشتغاله. فهو أولا مبالغة في الفسر، أي استفراغ للوسع، طلباً للإيضاح والبيان، ويبلغ هذا الاستفراغ مداه، إذا كان موضوع التفسير هو كلام الله، لأنه يروم آنذاك، تأمين طريق الفهم عن الله، وَفِقْهَ مراده من كلامه، مما يشعر بأن تحري مطابقة التفسير للمفسر، من جهةِ إصابةِ القصد، وتعيينِ المراد، واحدٌ من أكبر هواجس العمل التفسيري. والتفسير أيضاً تكرار للفسر، أي أنه عمل قائم على العود المستمر. ويتخذ هذا العود وجهتين، فهو يحدد وظيفة التفسير في علاقته بالنص، ووظيفته في علاقته بالمتلقين. فالتكرار من جهة، لصيق بمنهجية التفسير؛ إذ بموجبه، يصير لزاماً على المفسر، أن يرجع مراراً إلى النص المفسَّر، ويعرض عليه عمله، حتى يطمئن إلى صحة ما توصل إليه. وهو من جهة أخرى، متسق مع ما ينتظره المتلقون من التفسير؛ إذ هو بالنسبة إليهم مترجمُ تَوْقِهم المستمر إلى مساءلة النص القرآني، لفهم أوضاعهم المتجددة. وفي كلتا الحالين، فإنه وصف مُشعِر بأن الحرص على ترسيخ المعنى القرآني، وتوسيع مجال تداوله، واحدٌ من أكبر هواجس العمل التفسيري. كما أن التفسير تكثير للفسر، وفي ذلك تنصيص على ضرورة تنويع مداخل الإيضاح والبيان، وعدم الاقتصار على واحد منها فقط، ومنه يصير لزاماً على كل تفسير، استجلابُ الأدلة والأدوات التي تكفل له الانضباط المنهجي، والكفاية التفسيرية، وتَضْمَنُ مصداقيته. فالتكثير مظنة اكتساب القوة، لأن قوة التفسير من قوة المنهج والدليل، وفي الاهتمام به إشعارٌ بأن الحرصَ على الإقناع، واحدٌ من هواجس العمل التفسيري.

وبناء على كل ما سبق نقول، إن التفسير عمل بياني بشري، يُقرّب معاني المفسَّر إلى المتلقين، باعتماد متواليات منهجية، توصل إلى كشف المراد، وتكسبه قوة ومسؤولية، تمكنان من ترسيخ نتائجه والإقناع بها.

* مفهوم القرآن:

الدلالة الصوتية: تحدد الشحنات الدلالية لمخارج وصفات (ق. ر.أ)، الإيحاءات التي أفادها تأليفها في أصل الوضع، لأن مكونات الكلمة تُنتقى على سَمْت الأحداث المعبر بها عنها، حذواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث. وقد جمع هذا الجذر مخارج مختلفة؛ فالقاف تنتمي إلى المجموعة اللهوية، والراء إلى المجموعة الذلقية، وتخرج الهمزة من الجوف، والجمع خاصية لصيقة بالقرآن نفسه، فهو يهدي العالمين إلى الصراط المستقيم. والملاحظ أيضا أن مادة (ق. ر.أ) مؤلفة من أصوات مجهورة وشديدة، صدراً وحشواً ونهاية، مما يكسبها قوة في النطق ووضوحاً في السمع. وحين يكون الكلام قرآناً، تبلغ القوة ذروتها، محققة مرتبة الإعجاز، ويدرك الوضوح مداه عند نزول القرآن بلسان عربي مبين.

والملاحظ كذلك انفراد كل صوت بمزايا تخصه، فالقاف تضفي معنى الحسن، والراء تتصف بالإذلاق، الذي يؤدي معنى اليسر، كما تحمل معنى الترديد والتكرار، الذي يفيد الحركة المستديمة ويرسخ المعنى ويقويه. أما الهمزة فتضفي على الكلمة التي تركب فيها مسحة إطلاقية. وتعكس هذه الإيحاءات الدلالية خصائص لصيقة بالقرآن؛ ففيه يقول الله عز وجل: ?الله نزل أحسن الحديث? (الزمر:23) وفيه يقول أيضا: ?ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر? (القمر:17). ويتصف القرآن أيضا بقوة هائلة صورها قوله تعالى: ?لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله? (الحشر:21)، ويعمل على ترديد الوعيد ليتعظ الناس: ?وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا? (طه:113). كما أنه ذو صفات فيها معنى الحركة المستديمة والفعل المستمر، فعطاؤه دائم لا ينفد لقوله تعالى:?إنه لقرآن كريم? (الواقعة:77)، وهو ذو وجود مستمر مزدوج الاتجاه؛ مصدق لكتب السابقين، ومورَّث للمصطفين اللاحقين ?والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير?. (فاطر:31 - 32)، والقرآن أيضا كتاب مطلق لإحاطة مصدره، وانفتاح وجهته، مصداقاً لقوله تعالى: ?وإنه لتنزيل رب العالمين? (الشعراء:192).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير