تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن هذا المنطلق فلا تكون لقوله تعالى: ?ثم إن علينا بيانه? (القيامة:19) علاقة تذكر بالتفسير عموماً، ولا بتفسير القرآن بالقرآن على وجه الخصوص، إنْ تحديدا لمصدره، أو بياناً، لجهته، لأن غاية ما سيقت له، هو الدلالة على أن القرآن نص إلهي في قمة الحفظ، منذ أن تكلم الله به، إلى حين تكلم به رسوله. وبذلك يكون معنى قوله تعالى: ?ثم إن علينا بيانه? (القيامة: 19) أي علينا أن تبلغه وتتلفظ به تماماً، كما أنزلناه عليك، وجعلنا صدرك يعيه، فالمراد بالبيان هنا الأداء والتلفظ والقراءة، أما ?علينا? ففيها وعد من الله بحصول ذلك البيان. ويؤكد ذلك، الربطُ بين ترتيب الجمل داخل الآية، وترتيب وجود مدلولاتها في واقعي الغيب والشهادة؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرك لسانه عجلة بالقرآن، أنبأه الله عز وجل بأنه قد تعهد بحفظه جمعاً وقراءة، ثم طلب منه الاستماع والإنصات إلى تلاوة جبريل بدقة وتركيز شديدين، عبرت عنهما الآية باتباع القراءة، وعقِب ذلك نصَّ على اتساع دائرة الحفظ، لتشمل ما لأجله تحرك اللسان عجلة بالقرآن، وهو هاجس التبليغ، فطمأنه بأنه قد تكفل بالبيان، أي بإبراز النص وإخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة من خلال تأمين تلفظ النبي به. وبذلك تكون غاية الآية هي تسليط الضوء على مطابقة الملفوظ للمحفوظ، وهو ما فطن إليه ابن عباس رضي الله عنه فربط بينها وبين مآلها ومصداقها الخارجي فقال: "فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله."

ثم إن دلالة البيان على التفسير في هذا المقام أمر مستبعد لسببين؛ أحدهما انعدام المناسبة بينه وبين القضية التي جاءت الآية لعلاجها كما تبين قبل، والثاني أن صرفه إلى ذلك المعنى، يفضي إلى التلويح بانخرام واحدة من أهم حلقات التلقي وانفراطها عن عقد الحفظ، ومن ثم التشكيك في صحة النقل النبوي للنص القرآني، واحتمال تطرق النسبية البشرية إليه، هذا في حين لا يعقل أن يتم النص على حفظ التفسير وتعهد الله به، دون أن يكون سياق الآية محله، ويُسكت عن بيان حظ الأداء والتبليغ من الحفظ في موضع الحاجة إلى بيانه؟ "

لا بل لقوله سبحانه: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} بالتفسير، والمؤمنين سيردون المتشابه الذي لم يفسر إلى المحكم، وما لن يعلموه سيؤمنون به:

ورد في تفسير الطبري:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يقول: حلاله وحرامه، فذلك بيانه.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) بيان حلاله، واجتناب حرامه، ومعصيته وطاعته.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم إن علينا تبيانه بلسانك.

ذكر من قال ذلك:

حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) قال: تبيانه بلسانك.

وقال القرطبي:

وقوله: (ثم إن علينا بيانه) أي تفسير ما فيه من الحدود والحلال والحرام، قاله قتادة.

وقيل: ثم إن علينا بيان ما فيه من الوعد والوعيد وتحقيقهما.

وقيل: أي إن علينا أن نبينه بلسانك.

وقال الماوردي:

{ثم إنْ علينا بَيانَه} فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: بيان ما فيه من أحكام وحلال وحرام، قاله قتادة.

الثاني: علينا بيانه بلسانك إذا نزل به جبريل حتى تقرأه كما أقرأك، قاله ابن عباس.

الثالث: علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه من وعد أو وعيد، قاله الحسن.

وهذه التفاسير للآية الكريمة لا تعارض بينها، لذلك قال ابن كثير:

"هذا تعليم من الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحي من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته، فأمره الله عز وجل إذا جاءه الملك بالوحي أن يستمع له، وتكفل له أن يجمعه في صدره، وأن ييسره لأدائه على الوجه الذي ألقاه إليه، وأن يبينه له ويفسره ويوضحه. فالحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاح معناه؛ ولهذا قال: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} أي: بالقرآن، كما قال: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114].

ثم قال: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أي: في صدرك، {وَقُرْآنَهُ} أي: أن تقرأه، {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ} أي: إذا تلاه عليك الملك عن الله عز وجل، {فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} أي: فاستمع له، ثم اقرأه كما أقرأك، {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أي: بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا."

ـ[أم الأشبال]ــــــــ[01 Mar 2008, 03:46 م]ـ

في هذا الرابط أكملت ما بدأته،وربما أزيد:

والله أعلم وأحكم.

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=770690#post770690

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير