وإدراك المشكلة هو أول مراتب تحمل المسؤولية تجاه هذا الأمر الجلل
والأمة بحاجة إلى عدد من الأعمال العلمية المؤسسية وعدد من المنتجات التعليمية حتى تتجاوز أزمة ضعف التأهيل العلمي.
والعلم الشرعي هو بيانٌ لدين الله عز وجل الذي من قام به وسعى لإعلائه أعزه الله وأعلاه ورفع شأنه وبوأه العزة والرفعة في الدنيا والآخرة
ومن خذله ولم يرفع به رأساً وخذل من قام به وآذاهم وضَيَّق عليهم ولم يعرف لهم حقهم في ذلك أذاقه الله الخزي في الدنيا والآخرة.
فتلك سنة الله الماضية ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
ونصوص الشريعة والتاريخ والواقع شهود على ذلك.
والأمة على وجه العموم لا تنقصها الإمكانات ولا القدرات ولا الطاقات فهي تمتلك من كل ذلك ما يجعلها خليقة بأن تكون في طليعة الأمم.
ولكن لا ينهض بالأمم إلا أصحاب الهمم.
والنجاح لا يدرك إلا بالكفاح
والتواني والتواكل
والتحاسد والتباغض
والحرص على المال والشرف
كل ذلك من الآفات التي أعاقت كثيراً من الأعمال التي لو قدر لها أن تتم لتغيرت حال الأمة
ولو أن المرء أدرك أن فضل الله عز وجل لا ينال إلا من الله (ذلك الفضل من الله)
وتجاوز هذا الاختبار لأعقبه ذلك نجاحاً لم يكن يخطر على باله أو يدور في خياله
ولكنَّ سعي الإنسان لتحقيق الفضل لنفسه واشتغاله عن سنة الابتلاء بتحقيق الحظ الدنيوي يقطع عليه الطريق ويجعله يعيش في تيهٍ لا مخرج منه إلا بالرجوع إلى الجادة التي حاد عنها، وسَيرِه مع الرَّكب السائرين، وعِلْمِه أنَّ تقدُّمَه وشرفه إنما يكون على قدر اجتهاده في السير على هذه الجادة.
وإذا تأملت حال الأمة وما صارت إليه، وكيف كان يمكن أن تكون؛ فلا تقل: أين فلان؟ وأين فلان؟
بل قل: أين أنا؟
فالتفاتك إلى من سقطوا في حمأة حظوظ أنفسهم وشهواتهم، واشتغالك بلومهم وعتابهم يقطع عليك الطريق ويوقعك في آفة أخرى
وكم من رجل كانت تتعلق به الآمال أن يكون له شأن في قيادة النهضة العلمية فلما تبوأ المكانة والمنصب صار حرباً على أهل العلم والفضل، يضيق عليهم ويؤذيهم، ويعيق أعمالهم ومشاريعهم العلمية ويتقرب بذلك إلى من يبغضهم الله ويمقتهم ممن يحاد الله ورسوله.
فاستحال حبهم بغضاً، وعاد مدحهم ذماً، وأذاقهم الله الخزي في الدنيا، وصاروا عبرة لمن يعتبر.
وسنة الله ماضية ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً.
فمن أراد الله به خيراً استعمله على عمل وتقبله منه، وبارك له فيه، ووقاه وكفاه، ونصره وأيده بروح منه.
فما أحسن تولي الله تعالى لعبده المؤمن الصابر الشاكر، وما أحسن وقايته وكفايته له، (وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيراً)
ومن سار على هذا الطريق فإنه يحتاج إلى أمرين:
الأمر الأول: الهداية، وفي معناها التوفيق والسداد، وأن يسير في طريقه على نور وبصيرة.
الأمر الثاني: النصرة، ويدخل في معناها ما يحتاج إليه في تحقيق مقصده من المال والجاه والعلم والمؤازرة وغير ذلك من معاني القوة التي يتحقق له بها معنى النصر.
وليعلم أن الله تعالى قد اقتضت حكمته أن يقيض لمن سار على هذا الطريق أعداء من المجرمين يؤذونه ويدافعهم ابتلاء لصبره ويقينه فإذا ثبت كتب الله له الإمامة في الدين ورفع ذكره في العالمين (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)
فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
والعلماء ورثة الأنبياء، تابعون لهم، يصيبهم من نوع ما أصابهم، ويتحقق لهم من النصر والتوفيق والتسديد على قدر اتباعهم وصبرهم ويقينهم.
وهذه المعاني تجدها ظاهرة في قوله تعالى: (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً)
فتكفل الله بالهداية والنصر لمن سار على سبيل الأنبياء يريد إعلاء كلمة الله عز وجل.
وتقديمُ الهداية على النصر من باب تقديم العلم على العمل؛ فالهداية من ثمرات العلم، والنصر من جزاء العمل.
وكل ذلك لا يكون إلا بتوفيق الله عز وجل، فالتعرض لنفحاته، وسؤاله من فضله وبركاته، وصدق المحبة لله ولرسوله ولدينه، والعزم الصادق على العمل، كل ذلك من أسباب التوفيق التي يرجى لمن أخذ منها بحظ وافر أن يكتب له الله في هذا المضمار عملاً رشيداً.
فها قد فتح لكم الباب فاعملوا واجتهدوا، وتعاونوا على البر والتقوى، وثقوا بهداية الله ونصره؛ فقد يأتي عليكم يوم تتذكرون فيه ملتقاكم هذا وتواصيكم بالحق وتواصيكم بالصبر، وأنتم على الأرائك متكئون.
وإياكم وآفات الطريق
وابدؤوا يتطهير النفس وتخليصها من الشهوات الخفية المردية، واصدقوا الله يصدقكم، وتدبروا قوله تجدوا فيه آيات بينات فيها هدى وبشرى، وبلاغاً وذكرى، وتثبيتاً على الحق ونصراً
(إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)
فالنصرة موعود بها للمؤمنين في هذه الحياة الدنيا ويوم القيامة إن الله لا يخلف الميعاد.
ودعوا قوماً كفاكم الله شأنهم (فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم)
وهو القائل جل وعلا: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)
ذلك أن السائر في هذا الطريق وليٌّ من أولياء الله يريد نصرة دين الله بالعلم والحجة والبيان، داعٍ إلى الله على بصيرة، متبع لسبيل رسوله صلى الله عليه وسلم، مؤمن بالله متقٍ، محب لما أحبه الله، مبغض لما أبغضه الله، قد تاقت نفسه إلى لقائه، وشمرت عن ساعد الجد لنصرة دينه؛ فقد جمع أسباب الولاية وأخذ بعراها التي لا تنفصم.
فمن آذاه وعاداه تولى الله قتاله، ومن تولى الله قتاله فلن تجد له ولياً ولن تجد له نصيراً.
فالأمر والله جَلَل، وليس بعد العلم إلا العمل.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)
اللهم إنا بك نستهدي وبك نستكفي وبك نستنصر لا حول ولا قوة إلا بك، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
¥