تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبالسليقة المتوارثة، وهناك أمر آخر وهو المحكمات الشرعية نفسها؛ لأنه إذا كانت نسبية التفسير ونسبية الفهم والاستنباط ترد في بعض الأمور فإن هناك أموراً تتجاوز ذلك، وتوصف بالقطع واليقين هي أمور بديهيات في الدين، فإذن الاحتكام إليها يقطع كل تلاعب باللغة،

بالإضافة إلى هذه المحكمات هناك بديهيات العقول التي تستحضر السياق، وتستحضر المعاني المشتركة بين البشر، وتستحضر منطقية التفسير، كما أن هناك في أصول الفقه قواعد كثيرة تسمى قواعد العقلية.

فإذن بصفة عامة تفسير النصوص ليس بدعاً في العمل العلمي كله والعمل العقلي، فكل ما كان قاعدة وحجة عند العقلاء وعند أهل العلم والبحث والنظر فهو يعتمد لكنه لا يزيل الخلاف بصفة نهائية، ولكن يجعل الخلاف قليلاً أو يجعله هامشياً.

س: لكن الاستنباط العقلي يتفاوت بتفاوت عقول الناس هذا يوجد مساحة أكبر للاختلاف؟

ج: أولاً: لم يقل أحد من العلماء وربما لم يقل أحد من المسلمين أن هناك شيئاً يمكن أن يلغي الخلاف أو يزيله بين الناس بصفة كاملة، هذا غير ممكن، بل الأدلة العقلية والنقلية تدل على أن الخلاف يبقى وارداً، والصحابة اختلفوا، والملائكة اختلفوا، والأنبياء اختلفوا، لكننا نحن نتحدث عن تقليص دائرة الاختلاف لكي نوجد بجانب مساحة الاختلاف مساحة أكبر منها وأهم منها وأكبر قيمة منها، وهي الاتفاق الذي لا يمكن فيه إلاّ الإذعان والتسليم، فإذن الاختلاف يبقى وراداً، ولكن يجب أن يكون اختلافاً عقلانياً لا اختلافاً عبثياً بحيث يأتي كل واحد يقول: الناس مختلفون، من حقي أن أقول ما أشاء!! هنا ندخل دائرة العبث والسفه.

س: هناك مسألة مهمة في هذا السياق ودوماً ما تتكرر في أدبيات التيار السلفي، وهي الرجوع إلى منهج السلف، فما مدى حجية فهم السلف للنصوص الشرعية؟

ج: أولاً: يجب أن نستحضر ما يقوله العلماء من أن إجماع العلماء حجة ومعصوم، إذا أجمع العلماء على شيء فهو الصواب الذي لا شك فيه. ما دون إجماع العلماء فإنه يتطرق إليه الخلل بنسبة أو بأخرى، ليس هذا فقط في آراء الأفراد بل حتى ما قاله جمهور العلماء قد يكون فيه خلل أو قد يكون فيه قدر من الخطأ.

لا شك أن للسلف إمامتهم في سلامة التدين من جهة، وفي سلامة الفهم من جهة أخرى دون أن يعني ذلك العصمة إلاّ فيما انعقد عليه الإجماع، لكن أولوية السلف هذه وأسبقيتهم إنما هي في المنهج العام وفي القواعد اللغوية، وما هو ثابت من الدين لا يتغير، أما الأمور التي تغيرت فلكل عصر علماؤه، ومجتهدوه أولى من مجتهدي غيره من العصور بما في ذلك السلف، وإذا اجتهدنا في قضية جديدة وفي مشاكل جديدة أو في قضايا ليست جديدة ولكن دخلت عليها تطورات كبيرة جوهرية، إذا نظرنا في مثل هذه الأمور فاجتهاد أهل العصر أولى من اجتهاد كل عصر بما في ذلك الصحابة؛ لأن الصحابة لم يجتهدوا لهذه الحالة لو جاؤوا وبعثوا في زماننا، واجتهدوا لظروفنا لقلنا اجتهادهم على رؤوسنا وهم أهل تقوى واستقامة وصفاء في العقول، لكنهم لم يجتهدوا لزماننا، فحينما نجتهد لزماننا فاجتهاد زماننا هو المقدم وهو الأولى بالاعتبار، فإذن اجتهاد الصحابة واجتهاد السلف ومنهج السلف له مكانته وأولويته في الحدود التي ذكرتها.

س: لكن هناك من يقول: إذا اختلف السلف على قولين فلا يصح إحداث قول ثالث، ما رأيك؟

ج: الإجماع لا يكون على قولين هذا الكلام عند الأصوليين، لكن تحقيق أن الإجماع لا يكون بهذا الشكل. دعنا نسمِّ الأمور بأسمائها، هذا يُسمّى اختلافاً، فصار اختلافاً وليس إجماعاً الذي وُصف بالعصمة ووُصف بأنه حجة لا، لا أبداً ليس هو هذا.

س: كن هناك من يشكك في وقوع الإجماع أصلاً، والإمام أحمد يقول: من ادّعى الإجماع فهو كاذب!!

ج: الإمام أحمد لم يشكك في أصل الإجماع وحجية الإجماع، إنما شكك في صعوبة وقوعه أولاً، وفي صعوبة روايته، وإثباته ثانياً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير