تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ففي زمن الإمام أحمد كانت الدولة الإسلامية مترامية الأطراف ممتدة على القارات الثلاث، وظروف الزمان مختلفة نظراً لصعوبة التواصل السريع، فنحن نعرف أن كتباً أُلّفت في القرون الخالية، ولم تُعرف في ذلك الزمان حتى عُرفت في هذا الزمان، وحتى مشاهير الكتب كانت تنتشر بعد عشرين سنة وخمسين سنة ومائة سنة، حتى يُعرف الكتاب، ويُعرف رأي صاحبه بخلاف اليوم، الإنسان قد يتكلم فيُسمع كلامه في اللحظة نفسها عبر وسائل عديدة، فاليوم نحن أمام واقع جديد، فكرة الإجماع فيه أصبحت متيسرة ربما لا أقول الآن، لكن أصبحت متيسرة من حيث انعقاد وتبادل الرأي ومعرفة الآراء، فما قصده الإمام أحمد هو: من ادعى الإجماع. أما لو ثبت الإجماع فهو لا يناقش من هذه الجهة.

س: لكن معنى هذا الكلام أن الإجماعات قليلة؟

ج: بدون شك أن الإجماعات الحقيقية المحققة ليست بالكثرة التي تتردد في كثير من كتب الفقه عادة، فالأمر يحتاج إلى تمحيص، ولكن هذا أيضاً ربما مما يسده مجال الاجتهاد، فما دام أن الإجماعات الثابتة والإجماعات المروية رواية صحيحة قليلة، فمعناه أن مساحة الاجتهاد لعلماء كل زمن وفقهاء كل زمن تبقى متسعة.

س: لكن برأيك ألم يؤثر إغلاق باب الاجتهاد في وقت استقرار المذاهب الفقهية على الاجتهاد الفقهي المعاصر؟

ج: أولاً: ليس هناك بمعنى الكلمة شيء اسمه إغلاق باب الاجتهاد فلم يحدث إغلاق للباب، ولكن الذي يمكن أن نتحدث عنه هو فتور الاجتهاد وخموده وقلة من يتصدى للاجتهاد.

نحن نعرف أن تاريخ الأمة الإسلامية عرف خطًّا متصاعداً في جميع المجالات تقريباً أو على الأقل في معظم المجالات العلمية والثقافية والإدارية والفكرية والتنظيمية والعسكرية، ثم وصل إلى مرحلة ربما تمتد قروناً بدأ يتأرجح هذا التاريخ ما بين صعود، ونزول، وجمود، ثم بعد ذلك دخل في مرحلة لا تتأرجح إلاّ بين الجمود والتراجع و التقهقر، فحين عبرت الأمة مرحلة الصعود إلى منتهاها- وهذه سنن ودورات التاريخ والحضارات- كان علماء الأمة الذين تراكمت أسماؤهم وأعمالهم و إبداعاتهم على مر القرون في قمة النضج والاكتمال والإجادة والإتقان، فبدأ الناس يحسون بكاملها وبذلك مالوا نحو الجمود والتأرجح والانحطاط. وهنا أيضا دخل عنصر التمذهب بصفته يميل إلى تقديس وتمجيد المتقدمين من الأئمة والجمود عند آرائهم، وهذه العوامل كلها جعلت كثيراً من الفقهاء يحجمون عن التفكير في الاجتهاد، بل أكثر من هذا تجدهم يجتهدون ويدعون أنهم لا يجتهدون خشية أن يُتّهم بأنه يتعالى ويقدم نفسه، ويتقدم بين يدي الأئمة الكبار الذين سبقوه.

باب الاجتهاد لم يقف في تلك المرحلة، هناك من ادعوا الاجتهاد، وهناك من أنكروا أنهم يجتهدون تواضعاً وتحرجاً؛ فباب الاجتهاد لم يُغلق، وخاصة إذا قصدنا أن توقفه كان بقرار يحظر الاجتهاد، فهذا القرار لا وجود له أبداً في أي مذهب، وفي أي بلد، وفي أي حقبة من الحقبات. كل ما هنالك أنه طموح انخفض عند العلماء وعند الفقهاء، إلاّ استثناءات لامعة، وظلت واضحة أنها تجتهد، ولذلك لم يخلُ عصر من أن يوصف عدد من فقهائه في مختلف المذاهب بأن فلان بلغ رتبة الاجتهاد في هذا المذهب أو ذاك في هذا البلد أو ذاك.

س: ما تأثير هذا التراجع على عملية الاجتهاد في العصر الحديث؟

ج: هذا الفتور وهذا التراجع أثّر على قرون خلت، من القرن السابع إلى العاشر إلى الثاني عشر، لكن في القرن الذي مضى والذي انسلخ من تاريخنا الحديث إلى الآن لم تعد هناك مشكلة، ولم يعد لهذه الفكرة أي أثر، فالعلماء المعاصرون استنكروا هذا الوضع وعملوا على تجاوزه، وفعلاً الآن ربما نجد الشكوى من فوضى الاجتهاد والإسراف في دعاوى الاجتهاد، والتجرؤ على الاجتهاد أكثر مما نجد الشكوى من عدم الاجتهاد.

س: من يملك حق الاجتهاد؟ هل هم العلماء فقط؟ وهل يعني هذا أنه كهنوت في الإسلام؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير