تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والإشكالات، طبعاً الاجتهاد الجماعي لا يلغي الاجتهاد الفردي ولا يسقط حقه في العمل، ولكن هذه هي الصيغة المثلى لكثير من الإشكالات، وأيضاً لما سميناه بفوضى الاجتهاد.

س: ما رأيك في أداء هذه المجامع الفقهية؟ وهل أدّت دورها فعلاً، وشكلت حضوراً لافتاً؟

ج: أولاً: أنا أردت أن أشيد بالفكرة وبالتوجه، لأن هذه الفكرة والتوجه أخذا طريقهما الآن. هناك مجامع كثيرة دولية على صعيد العالم، وعلى صعيد العالم الإسلامي، وهناك مجامع قطرية، فالظاهرة مازالت تمضي بالشكل الذي يبعث على السعادة و الارتياح، كما أن لهذه المجامع وجوداً في غير البلدان الإسلامية، فهناك مجمع فقهي لأمريكا الشمالية، وهناك مجمع فقهي للإفتاء والبحوث على صعيد أوروبا، فالظاهرة ما زالت تمتد وإذا كانت تمتد فمعناه أنه بقدر ما كثرت هذه المجامع ستسد في مجموعها على الأقل حاجة الأمة، وإذا أخذنا على الأقل واحداً منها وهو أشهرها وأكبرها وأوسعها وهو مجمع الفقه الإسلامي، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، هذا هو نفسه على الرغم من أنه بمفرده، وعانى هو نفسه كثيراً من الإهمال، مع ذلك أنا شخصياً حينما أنظر إلى إنتاجه وقراراته أجد كنوزاً ثمينة وإنتاجاً كبيراً، فالمشكلة في تسويق هذا الإنتاج وترويجه وإضفاء صفة اللزوم عليه هذا الذي لم يقع، ولعل هذا الذي انتبه إليه أو نبه إليه الرؤساء المسلمون الذين اجتمعوا سابقاً بمكة المكرمة في مؤتمر القمة الاستثنائي، فلأول مرة -فيما أذكر- في جدول أعمالهم دعوة لقضية تفعيل هذا المجمع والسير به نحو اعتباره مرجعية موحدة عليا في الفقه الإسلامي لعموم المسلمين. فهذه خطوة جديدة على طريق تفعيل هذه المؤسسات، مؤسسات الاجتهاد الجماعي؛ فمجمع الفقه الإسلامي وغيره من المجامع إذا بدأت الدول والحكومات والوزارات المعنية والمؤسسات الدعوية تتلقف فتاوى هذه المجامع، وتعتمدها، وتعطيها الأولوية، فإن هذه المجامع فعلاً ستؤدي دورها.

س: ما هو تأثير الواقع الاجتماعي والسياسي على مسيرة الاجتهاد الفقهي؟

ج: طبعاً جميع الأوضاع والظروف والملابسات التي يقع فيها الاجتهاد يُفترض أن يكون لها تفسير طبيعي بل ضروري؛ لأننا حينما نتحدث عن الاجتهاد نتحدث عن الاجتهاد الفقهي، والاجتهاد الفقهي ليس عقائد ثابتة منذ الأزل وإلى الأبد، الاجتهاد الفقهي إنما هو اجتهاد لحالة بعينها، وكلما تغيرت الظروف في ظاهرها وباطنها اجتماعياً وسياسياً وفكرياً ونفسياً فالمفترض أن الاجتهاد يتغير؛ لأن المجتهد عمله كعمل الطبيب تماماً. الطبيب لا يمكن أن توصف له حالة وقعت في وقت من الأوقات، ويعطيك وصفة الدواء. لابد أن يعرف الحالة في لحظتها، ولابد أن يفحص و يعاين، وأن ينظر إلى الشخص من جميع نواحيه، مثل الناحية النفسية والناحية المعيشية قبل أن يعطي وصفة الدواء، وكذلك الفقه والاجتهاد الفقهي والإفتاء الفقهي يجب أن يكون دائم التشخيص ودائم إعادة التشخيص للأوضاع؛ لأن الأوضاع التي نفتي لها هي نصف عمل المجتهد؛ لأن عمل المجتهد نصفه نظر في الأدلة الشرعية، ونصفه نظر في مطابقة هذه الأدلة الشرعية للواقع الذي أُنتجت له ووُصفت لأجله، بالعكس هناك فقهاء اليوم آفتهم ومشكلتهم عدم تفاعلهم مع ظروف زمانهم، وعدم فهمهم وعدم اعتبارهم لمتغيرات زمانهم، فيصدرون الفتاوى وكأن الإنسان الذي يخاطبونه هو الإنسان الذي كان قبل عشرة قرون أو أربعة عشر قرناً.

س: لكن وفق هذا الكلام هناك من يسقط اجتهادات الفقهاء في القرون الماضية ولا يعتدّ بها؟

ج: التراث الفقهي القديم في نظري يُستفاد منه أولاً استفادة منهجية نطلع عليها جملة، ونطلع عليه تفصيلاً لنرى كيف عالج الفقهاء هذه القضية، وبصفة عامة كيف كانوا يعالجون، ويستفيدوا من منهجية الاستنباط، ومنهجية التنزيل، ومنهجية التفاعل مع الواقع.

ثانياً: ننظر فيما اجتهدوا فيه لعل بعض الأمور ما زالت متطابقة؛ لأن الحياة دائماً فيها متغيرات، وفيها ثوابت فقد يكون اجتهاد أبي حنيفة في قضية من القضايا ما زال بحذافيره صالحاً لزماننا؛ لأنه يتعلق بمسألة لم يمسّها تغيير يُذكر، إذن هذان هما وجها الاستفادة من التراث الفقهي، وما عدا هذين الوجهين فلا لزوم لأي اجتهاد فقهي في زمن معين للزمن الآخر، بل العلماء في الزمن الواحد كانوا يتواصون ويحذرون طلابهم وزملاءهم: إياك أن ترحل من المشرق إلى المغرب فتفتيهم في المغرب بظروفك المشرقية التي كنت عليها في بغداد، وهنا يأتي المثل الشهير الذي يضربه عادة الباحثون في هذا المجال، فالإمام الشافعي صاحب مذهبين: قديم وجديد، في العراق كان له مذهب، وفي مصر راجع كثيراً من فتاويه؛ لأن متغيرات المجتمع اقتضت أشياء جديدة، فإذاً الفقه القديم بكامله وبرمته لا يلزمنا أبداً.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير