تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الخطأ في الاجتهاد وارد ومن حيث المبدأ مقبول ومسموح به ومأذون به. نحن نعرف أن الصحابة أنفسهم اجتهدوا فأصابوا وأخطؤوا في زمن رسول الله، وبعد زمن رسول الله، ودائماً بالنسبة للمسلم الصحابة هم قدوة ومعيار ومقياس، وما جاز على الصحابة جاز علينا، فإذا جاز عليهم الخطأ جاز علينا من باب أولى، بل إن هناك رأياً أصولياً يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم، هو نفسه في الأمور الاجتهادية يصيب ويخطئ، وقد يخطئ في حالات نادرة عند من يقول بهذا القول وهو قول موجود .. إلى هذا الحد قد يصل الأمر، وقد يُستدل بهذا على الاختلاف الذي وقع بين داود وسليمان؛ فكلاهما نبي وحكم حكمين مختلفين معناهما أن أحدهما صواب والآخر خطأ، أو على الأقل هو أقل صوابية من الآخر، كذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول في الحديث الصحيح: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فله أجر، إذن الخطأ وارد ولم يقل الرسول عليه السلام: لا يجتهدن أحد فإنه إذا أخطأ ذهب إلى النار أو عليه لعنة الله أبداً، لم يقل شيئاً من هذا، بل أكثر من هذا فله أجر.

طبعاً الخطأ الوارد من العلماء المتمكنين حين يكونون أصحاب أمانة في دينهم وفي علمهم، وحينما يُحاطون بالقواعد، وحينما يُحاطون بالنقد من العلماء الآخرين، كل هذه ضمانات تجعل احتمالات الخطأ قليلة، وإن كان التراجع عن هذا الخطأ أيضاً وارداً.

إذن ليس هذا معناه أن الباب مفتوح للخطأ بنسب كبيرة، أو بجميع النسب الممكنة في الدين، لا، هذا غير وارد، لكن الخطأ من حين لآخر وارد، وإذا وقع هذا الخطأ فقد يخالفه ويصححه غيره، وقد يصححه في جيل آخر، وقد يصححه العالم نفسه في حياته. فإذن العمل الاجتهادي كما العمل العقلي يرد عليه الخطأ، ولكن هذا في الدين لا يشكل أي مشكلة، وفي بعض المناسبات أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية وجعل على رأسها أحد الصحابة وأوصاه وقال له: (فيما قال إذا طلبوا منك أن تنزلهم على حكم الله، فلا تنزلهم على حكم الله، بل أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب حكم الله، أم لا تصيبه) فهذا صحابي والرسول عليه السلام ينبهه أنه إذا اجتهد يقول هذا رأيي إذا طلب منه الخصوم أن يحكم فيهم، ويقدم لهم حكم الله، في الحل الذي ينتهي إليه الأمر يقول لهم لا إذا لم يكن عنده اعتماد على نص صريح من القرآن أو من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول لهم كما قال معاذ: أجتهد رأيي ولا آلو، وهذا رأيي بمعنى يمكن أن يصادف الشرع ويتوافق معه، وهذا هو الغالب ويمكن أن يكون خطأ.

س: كيف يمكن التوفيق بين كلامك وكلام ابن القيم بأن المفتين موقّعين عن رب العالمين؟

ج: المفتي إذا لم يكن استمداده بشكل صريح من نص شرعي طبعاً يبقى هذا رأيه واجتهاده، وهو يوقع عن رب العالمين سواء أصاب أو أخطأ، يوقع لأنه يتحمل المسؤولية، وطبعاً حينما نتحدث عن خطأ العالم لا نتحدث عن قلب للحقائق وعن مضادة لهذه الحقائق، وإنما عن خطأ نسبي في المسألة، فالمجتهد لا يمكن أن يجعل من الحرام واجباً مثلاً، لكنه قد يجعل من المندوب واجباً، وقد يجعل من الواجب مندوباً، وقد يسقط شرطاً، والشرط لازم، وقد يشترط شيئاً، وهو غير لازم، هي في حدود من الصعب أن تصفها في أي حالة بأنها خطأ محض وشر وفساد، لا نتصور أخطاء العلماء من هذا القبيل، وإنما هي من قبيل ما هو صواب وأصوب، وأقل صواباً وأقرب إلى الصواب، وفيه قدر من الخطأ.

س: أنت تقول إن هناك فوضى في الاجتهاد في العصر الحالي، فهل أنت مع تشديد شروط المجتهد أم مع تيسيرها الآن؟

ج: أولاً: هذه مسألة نظرية خاصة في عصرنا هذا؛ لأنه ما وضعنا من الشروط وسواء أطلنا فيها أم اختصرنا فلن يلتزم بها أحد كل واحد الآن يتصرف بحسب دينه وتقواه وأمانته وتقديره للمسؤوليات العلمية، أو عكس ذلك، إذاً هذا يكون كلاماً نظرياً لا يُلتفت إليه، لكن أفضل من العلماء الذي اطمأنوا إلى علمهم أن يقدموا ولا يحجموا، فنحن قد عانينا من الإحجام أكثر مما نعاني اليوم من الإقدام، ثم اليوم في هذا الزمن بالخصوص ظهرت بادرة حسنة جداً من حسنات هذا الزمان، ولو أن أصل الفكرة ليس بجديد، لكن تفعيل هذه الفكرة والعمل بها جديد في هذا العصر وهو الاجتهاد الجماعي واجتهاد المجامع الفقهية. هذه ظاهرة صحية وظاهرة إيجابية جداً فهي عملياً تضع حداً لكثير من التساؤلات

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير