ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[27 Jan 2008, 10:04 ص]ـ
مسالك العلماء في تفسير قوله تعالى (لأحتنكن ذريته)
اختلف العلماء في تفسير قوله تعالى: {لأحتنكن ذريته} على خمسة مسالك:
المسلك الأول: مسلك من اختار المعنى الأول
وسلك هذا المسلك من العلماء: الخليل بن أحمد، والبخاري، وابن فارس، وابن سيده، والبيضاوي
ونسبه النحاس لأكثر أهل اللغة، ورجحه الشوكاني
قال الخليل بن أحمد (ت: 170هـ) (واحتَنَكتُ الرجلَ: أخذتُ مالَه ومنه قوله تعالى: {لأَحَتنِكَنَّ ذُرِّيَتَه إلا قليلاً}).
قال البخاري (ت:256هـ): ((لأَحْتَنِكَنَّ) لأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ، يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلاَنٌ مَا عِنْدَ فُلاَنٍ مِنْ عِلْمٍ اسْتَقْصَاهُ).
قال ابن فارس (ت:395هـ): (ويقال احتنك الجرادُ الأرضَ، إذا أتى على نبْتها؛ وذلك قياس صحيح، لأنه يأكل فيبلغ حنكَه.
ومن المحمول عليه استئصال الشيء، وهو احتناكه، ومنه في كتاب الله تعالى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلاَّ قَلِيلاً} أي أُغوِيهم كلَّهم، كما يُستأْصَل الشيءُ إلا قليلا).
قال ابن سيده الأندلسي (ت: 458هـ): (واحْتَنَكَ الجرادُ الأرضَ، أتى على نبتها، وقوله تعالى: (لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَه) مأخوذ من هذا.
واحتَنكَ الرجلَ، أخذ مالَه كأنه أكلة بالحَنَكِ).
قال البيضاوي: (ت: 685هـ): ({لأَحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً} أي لأستأصلنهم بالإغواء إلا قليلاً لا أقدر أن أقاوم شكيمتهم، من احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً، مأخوذ من الحنك).
المسلك الثاني: مسلك من اختار المعنى الثاني، فقال المراد: لأقودنهم إلى حيث أشاء كما تقاد الدابة التي يحتنكها صاحبها أي: يجعل لها حبلاً يديره من تحت حنكها فيقودها به.
وممن سلك هذا المسلك: ابن عطية، ومحمد الأمين الشنقيطي، وابن عاشور
قال ابن عطية: (ت: 542هـ): (وقوله {لأحتنكن} معناه: لأميلن ولأجرن، وهو مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشد على حنكها بحبل أو غيره فتنقاد، وألسنة تحتنك المال، أي تجتره، ومنه قول الشاعر:
تشكو إليك سنة قد أجحفت
جهداً إلى جهد بنا فأضعفت
واحتنكت أموالنا وجلفت
ومن هذا الشعر، قال الطبري {لأحتنكن} معناه: لاستأصلن، وعبر ابن عباس في ذلك بـ (لأستولين)).
قلت: (إدراج ابن عطية شاهد المعنى الأول في المعنى الثاني فيه بعد ظاهر، وقد تبعه على ذلك القرطبي)
قال محمد الأمين الشنقيطي (ت:1393هـ): (الذي يظهر لي في معنى الآية - أن المراد بقوله {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} أي لأقودنهم إلى ما أشاء، من قول العرب: احتنكت الفرس: إذا جعلت الرسن في حنكه لتقوده حيث شئت).
قال ابن عاشور (ت:1393هـ): (والاحتناك: وضع الراكب اللجامَ في حَنَك الفرس ليركَبه ويَسيّره، فهو هنا تمثيل لجلب ذرية آدم إلى مراده من الإفساد والإغواء بتسيير الفَرس على حب ما يريد راكبه).
المسلك الثالث: مسلك من ذكر المعنيين ولم يرجح أحدهما على الآخر
وهو ما فعله: يونس بن حبيب، وابن السكيت، وابن قتيبة، والنحاس، وأبو الليث السمرقندي، والراغب الأصفهاني، والبغوي، وابن الجوزي، والرازي، وأبو حيان، وابن الهائم، والفيروزآبادي وغيرهم
سبق نقل كلام ابن حبيب.
قال ابن السِّكِّيتِ (ت: 244هـ): (الحَنْكُ مصدر حَنَكَ الدَّابَّةَ يَحْنِكُها حَنْكَا، إذا شدَّ في حِنْكِها الأسفلِ حَبْلاً يقودها به، و (قد احتنكَ دابَّتَه)، مثلُ (حنَكَها).
ويقال: قد احتنكَ الجرادُ الأرضَ إذا أتى على نبتها.
وقول الله جل ذكره {لأحتنكن ذريته إلا قليلا} مأخوذ من أحد هذين)
قال ابن قتيبة (ت:276هـ): ({لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} لأَستأصلنَّهم. يقال: احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض كلَّه؛ إذا أكله كلَّه. واحْتَنكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم: إذا استقصاه.
ويقال: هو من حَنَكَ دابَّتَهُ يَحْنُكُها حَنْكًا: إذا شد في حَنَكِها الأسفل حبلا يقودها به. أي لأَقُودَنَّهم كيف شئتُ).
قال أبو جعفر النحاس (ت:338هـ): (أكثر أهل اللغة على أن المعنى لأستولين عليهم ولأستأصلنهم من قولهم احتنك الجراد الزرع إذا ذهب به كله.
وقيل: هو من قولهم حنك الدابة يحنكها به إذا ربط حبلا في حنكها الأسفل وساقها حكى ذلك ابن السكيت، وحكى أيضا احتنك دابته مثل حنك فيكون المعنى: لأسوقنهم كيف شئت).
¥