تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال أبو الليث السمرقندي (ت:375): ({لأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ}، أي لأستزلنَّ ذريته. يقول: أطلب زلتهم؛ وقال القتبي: لاستأصلنهم، يقال: احتنك الجراد ما على الأرض، إذا أكله كله؛

ويقال: هو من حنك الدابة يحنكها حنكاً، إذا شدّ في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به، أي لأقودنهم حيث شئت).

قلت: (أحتنك، بمعنى أستزل، غريب، ولا أعلم له شاهداً في لغة العرب، فلعله من باب تفسير اللفظ بلازم معناه، وهو مسلك من مسالك التفسير، كما قال بعضهم: (لأحتنكن) أي لأضلنَّ، لأن مؤدَّى احتناكه لهم إضلالهم وإغواؤهم).

قال البغوي (ت:516هـ): ({لأحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} أي: لأستأصلنهم بالإضلال يقال: احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله.

وقيل: هو من قول العرب حنك الدابة يحنكها: إذا شدَّ في حنكها الأسفل حبلا يقودها أي: لأقودنَّهم كيف شئت.

وقيل: لأستولين عليهم بالإغواء {إِلا قَلِيلا} يعني المعصومين الذين استثناهم الله عز وجل في قوله: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان})

قلت: (ذكر المعنيين، وعد تفسير ابن عباس قولاً ثالثاً).

قال ابن الجوزي (ت:597هـ): (قوله تعالى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِيَّتَهُ} فيه ثلاثة أقوال.

أحدها: لأَستولِيَنَّ عليهم، قاله ابن عباس، والفراء.

والثاني: لأُضِلَّنَّهم، قاله ابن زيد.

والثالث: لأَستأصلنَّهم؛ يقال: احْتَنَكَ الجرادُ ما على الأرض: إِذا أكله؛ واحْتَنَكَ فلانٌ ما عند فلان من العلم: إِذا استقصاه، فالمعنى: لأَقودنَّهم كيف شئتُ، هذا قول ابن قتيبة).

قلت: (سبق نقل كلام ابن قتيبة، وليس كما ذكره ابن الجوزي رحمه الله، وقد خلط ابن الجوزي بين المعنيين في القول الثالث خلطاً عجيباً، وسيأتي الكلام على أثر ابن زيد بإذن الله تعالى).

قال الفخر الرازي: (ت: 606هـ): (في الاحتناك قولان، أحدهما: أنه عبارة عن الأخذ بالكلية، يقال: احتنك فلان ما عند فلان من مال إذا استقصاه وأخذه بالكلية، واحتنك الجراد الزرع إذا أكله بالكلية.

والثاني: أنه من قول العرب حنك الدابة يحنكها، إذا جعل في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به.

وقال أبو مسلم: الاحتناك افتعالٌ من الحَنْكِ كأنه يملكهم كما يملك الفارس فرسه بلجامه.

فعلى القول الأول معنى الآية لأستأصلنهم بالإغواء.

وعلى القول الثاني: لأقودنهم إلى المعاصي كما تقاد الدابة بحبلها).

قلت: (قوله: (لأستأصلنهم بالإغواء) هذه عبارة الواحدي، وهي جمع بين التفسير باللفظ وبلازم المعنى).

قال أبو حيان (ت:754هـ): (حنك الدابة واحتنكها: جعل في حنكها الأسفل حبلاً يقودها به، واحتنك الجراد الأرض أكلت نباتها.

قال:

نشكوا إليك سنة قد أجحفت

جهداً إلى جهد بنا فأضعفت

واحتنكت أموالنا وجلفت

ومنه ما ذكر سيبويه من قولهم: أحنك الشاتين أي آكلَهما).

المسلك الرابع: مسلك من جمع بين الأقوال

وهو صنيع: أبي عبيدة، والأخفش، وابن جرير، والواحدي

قال أبو عبيدة (ت:210هـ): ((لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتِهُ إِلاَّ قَلِيلاً) مجازه: لأستميلنّهم ولأستأصلنهم، يقال: احتنك فلان ما عند فلان أجمع من مال أو علم أو حديث أو غيره أخذه كله واستقصاه

قال:

نشكو إليك سَنة قد اجحفت

جهداً إلى جَهدٍ بنا فأَضعفتْ

واحتنكتْ أموالنا وجلفّتْ).

قال الأخفش (ت:215 هـ): ({لأحتنكن ذريته} قال: لأستأصلنهم ولأستميلنهم.

واحتنك فلان ما عند فلان أي أخذه كله).

قال ابن جرير (ت:310هـ): ((لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا) يقول: لأستولين عليهم، ولأستأصلنهم، ولأستميلنهم يقال منه: احتنك فلان ما عند فلان من مال أو علم أو غير ذلك؛ ومنه قول الشاعر:

نَشْكُو إِلَيْكَ سَنَةً قَدْ أجْحَفَتْ

جَهْدًا إلى جَهْدٍ بنا فأضْعَفَتْ

واحْتَنَكَتْ أمْوَالَنا وجَلَّفَتْ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل).

ثم ذكر أثر ابن عباس ومجاهد وابن زيد ثم قال: (وهذه الألفاظ وإن اختلفت فإنها متقاربات المعنى، لأن الاستيلاء والاحتواء بمعنى واحد، وإذا استولى عليهم فقد أضلهم).

قلت: (هذا مسلك من مسالك الجمع بين الأقوال، باعتبار مؤداها وما تؤول إليه).

قال الواحدي (ت:468هـ): (لأَحتنكنَّ ذريته} لأستأصلنَّهم بالإغواء ولأستولينَّ عليهم)

المسلك الخامس: مسلك من فسر الآية بلازم معناها

فقال: لأضلنهم، ولأغوينهم، ولأستزلنهم

كما فعل ذلك ابن زيد، وأبو الليث السمرقندي.

قال ابن جرير (ت:310هـ): (حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلا قَلِيلا} قال: لأضلنهم).

قال ابن عطية (ت:542هـ): (وقال ابن زيد: لأضلن، وهذا بدل اللفظ لا تفسير).

هذا، وقد بالغ الماوردي في تشقيق الأقوال في هذه المسألة حتى أوصلها إلى ستة أقوال، وهي راجعة إلى ماذكرنا، وبعضها خطأ مردود.

ـ[ابوالحارث]ــــــــ[27 Jan 2008, 08:04 م]ـ

اثابك الله اخي عبدالعزيز ..

ومن نظر إلى المعنى الثاني وجده أيضاً منسبكاً معه، فالاستيلاء فيه معنى التملك والتمكن من الشيء.

ولذلك قال السمين الحلبي (ت: 756هـ): (ومعنى {لأحْتَنِكَنَّ} لأَسْتَوْلِيَنَّ عليهم استيلاءَ مَنْ جَعَلَ في حَنَكِ الدابَّةِ حَبْلاً يقودُها به فلا تأبى ولا تُشْمِسُ عليه).

وما احرانا لتدبر هذه العبارات، والله المستعان

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير