فأرجو أن يتسع صدرك لما سأقول , بعد علمكم أني لم أكتب إلا لسببين اثنين:
1 - أنكم طلبتم الرأي في ما تنوون القيام به من عمل.
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وإذا استنصحك فانصح له) والعلماء قالوا إن معنى هذه الجملة النبوية أي إذا طلب منك النصيحة فعليك أن لا تداهنه ولا تغشه وإلا كنت باخساً إياه حق الإسلام الذي فرضه له عليك.
أنت صدَّرت كلامك بأنك غير مختص في علوم القرآن الكريم , ثمَّ حكمت على أهل الأختصاص الكرام - مع احترامك وتقديرك لجهودهم في خدمة القرآن الكريم - أنهم لم يقدروا الموقف الحرج الذي تمر به الأمة.
وهذا تناقض عجيب بارك الله فيك , فما دمت غير مختص فمعنى ذلك أنك لست على اطلاع كافٍ يمكنك معه أن تحكمَ هذا الحكمَ الإجمالي على المشتغلين بالدراسات القرآنية , ومن الواجب على من استنصحته أن يقول لك:إن هذه النتيجة بغض النظر عن صحتها من عدمها لا بدَّ في إثباتها من أدلة تستند عليها , لا أن تلقي بها هكذا بلا دليل ولا بحث ولا تتبع ولا اتكالٍ على كلام باحث مختص في المجال نفسه.
فأثبت أولاً عن طريق البحث والاستقراء والسؤال والقراءة والمطالعة وغير ذلك من وسائل الإثبات أن أهل الأختصاص الكرام لم يقدروا الموقف الحرج الذي تمر به الأمة قبل أن تكتب التفسير المختصر.
قلت حفظك الله ورعاك: أعتقد والله أعلم أننا بحاجة ملحة لتفسير يناقش أخطاء المسلمين وذنوبهم ويقدم الحلول والبدائل التي تعين المسلم على التمسك بدينه.
وأقول: هل خلت التفاسير والدراسات القرآنية القديمة والحديثة مما تنشده وتعتقد أننا بحاجة إليه , بل هل نزل القرآن إلا ليبين للمسلم الوسائل والطرق والأساليب والمناهج التي تعين المسلم على التمسك بدينه , وتبين له ما فيه فساد دينه ليجتنبه ويتحاشاه , وإن نظرةً عابرة في أي من كتب التفسير المتداولة بن الناس أو البحوث القرآنية الحديثة لكفيلة بإثبات وجود الحلول والبدائل التي تعين المسلم على التمسك بدينه.
قلت حفظك الله:إنَّ الحاجة لأستباط العبر والعظات التي تتناسب مع واقعنا المعاصر هي أحد الدوافع التي دفعتك للتفكير في كتابة التفسير المختصر هذا , وأقول:
إذا كنت غير متخصص وستستنبط من القرآن العبر والعظات المتناسبة وواقعَنا المعاصرَ فماذا بقي للمتخصصين والعلماء.؟
والاستنباط مهمة لم يكلها الله إلا إلى نفر قليل من الملة وهم علمائها الربانيون العالمون بحدود الله , واقرأ إن شئت قول الحق تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) قال القرطبي رحمه الله:
(والاستنباط في اللغة الاستخراج وهو يدل على الاجتهاد إذا عدم النص) ولا شك أن غير المتخصص لا أهلية له تحمله على ان يجتهد.
ولابن عاشور رحمه الله في مقدماته كلام جميل ومنه قوله (وإن القرآن كتاب جاء لهدي أمة والتشريع لها وهذا الهدي قد يكون واردا قبل الحاجة وقد يكون مخاطبا به قوم على وجه الزجر أو الثناء أو غيرهما وقد يكون مخاطبا به جميع من يصلح لخطابه وهو في جميع ذلك قد جاء بكليات تشريعية وتهذيبية والحكمة في ذلك أن يكون وعى الأمة لدينها سهلا عليها وليمكن تواتر الدين وليكون لعلماء الأمة مزية الاستنباط وإلا فإن الله قادر أن يجعل القرآن أضعاف هذا المنزل وأن يطيل عمر النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع أكثر مما أطال عمر إبراهيم وموسى ولذلك قال تعالى (وأتممت عليكم نعمتي) فكما لا يجوز حمل كلماته على خصوصيات جزئية لأن ذلك يبطل مراد الله كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ولا إطلاق ما قصد منه التقييد؛ لأن ذلك قد يفضي إلى التخليط في المراد أو إلى إبطاله من أصله وقد اغتر بعض الفرق بذلك)
فانظر رحمك الله كيف يؤدي جهلُ غير المتخصص إلى هذه المفاسد وغيرها إن هو استنبط غير معتمد على أصوله تمنحه أهلية هذا الاستنباط.!
ولأن غير المتخصص إذا استنبط فهو لا يستند إلا على آراء مجردة عن العلم بالعربية والقراءات وعلوم القرآن والأصول وغير ذلك , وهذا الاستنباط الذي سيصل إليه غير المتخصص , لا شك في أنه يأثم به سواءا صحَّ استنباطه أو فسد لأن من المسلَّم به أنَّ من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ , فكيف به إذا قال في القرآن برأيه فأخطأ .. ؟
وأسأل الله لي ولك التوفيق والسداد , وأنت على كل حال مشكورٌ ومأجورٌ -إن شاء الله- على هذه النية الطيبة والهمة العالية والحرقة غيرة على واقع أمتك , وأترك المجال لغيري من الأفاضل وأستبيحهم العذر في التقدم بن أيديهم بما قلتُ ,ولكني وجدت أن الغيرةَ على الغيورين أمر ضروري , وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[02 Feb 2008, 11:22 ص]ـ
أخي الكريم:
بعد قراءتي للنموذج الذي وضعته أنصحك بطلب علم التفسير أولاً والإكثار من القراءة في كتبه وترك الأمر لأهله الذين عبت عليهم عدم تقديرهم للموقف الحرج الذين تمر به الأمة , فليس الأمر حفظك الله مقتصر على مجرد التوفيق بين التفاسير لإخراج مختصر.
¥