تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الموقف الثالث فهو حضوري لحلقة نقاش علمي عالي المستوى بين علماء الفقه والشريعة والحديث والقرآن الكريم بـ"داكا" عاصمة "بنغلادش"، المشاركين في الدورة التدريبية الوطنية في بناء مناهج التربية الإسلامية التي تعقدها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسسكو"، وجمعية الدعوة الإسلامية العالمية في الفترة الممتدة سنة 2004. وقد تركز النقاش في موضوع شائك يقول: ما الأكثر فائدة في التعامل مع القرآن الكريم في البلدان غير الناطقة بالعربية؟ هل ترجمته إلى لغة البلد؟ أم تعلم اللغة العربية؟ وأجمع المشاركون بعد نقاش مستفيض إلى أن المسلك الرشيد هو تعلم اللغة العربية لأنها لغة الوحي، ورغم أن المسألة مكلفة جهدا، وبطيئة وقتا إلا أنها في نظرهم أبقى أثرا، دون إنكار فائدة الترجمة لكنها دون الخيار الأول أهمية.

أما الموقف الرابع فهو حالة الانتظار القاسي الذي فصل بيني وبين زميلي الدكتور رشدي طعيمة خبير تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بباب الجامعة، حين كنا في زيارة علمية للجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا سنة 2004، الذي استأذنني في زيارة خاطفة لأحد الأساتذة الباحثين المصريين في قسم اللغة العربية بالجامعة، وبعد طول انتظار قررت الانطلاق في رحلة البحث عن هذا القسم، وبجهد جهيد في ردهات وبنايات الجامعة الزرقاء المترامية الأطراف وسط غابة استوائية، وفي ظل جهلي باللغة الإنجليزية أو المالاوية لغتي التخاطب بالجامعة، واختلاط الجنسيات، ساقني القدر إلى مكتب فاخر كتب على بابه "قسم لغة القرآن". وقفتُ مشدوها أمام هذا الاسم الرائع الذي جَعل مساحةَ اللغة العربية تعادل مساحة الوحي، لا تحدّها قومية ولا حدود جغرافية. فساح عقلي في فضاء لا متناهٍ كما لا يتناهى خطاب الوحي في الزمان والمكان، ولم أستفق من هذه اللذة المعرفية إلا على الصوت الجهوري للدكتور طعيمة وهو يفتح الباب مودّعا رئيس القسم الذي كان بالمناسبة أحد طلابه بالجامعة. قال صديقي الدكتور رشدي: "عذرا صديقي فقد عانيتَ في البحث عن القسم كما عانيت -ولا شك- في البحث عني، فقد اكتشفتَ أنه لا يوجد بهذه الجامعة "قسم اللغة العربية قلت: "بالعكس أشكرك على هذا التأخر الذي قادني إلى اكتشاف هذه الفائدة الرائعة ثم خاطبت رئيس القسم قائلا: بالله عليكم كيف اخترتم هذا الاسم على غير عادة الأسماء المعروفة في الجامعات العالمية "قسم اللغة العربية". قال: "هذا يدخل ضمن الإستراتيجية التربوية للجامعة، ويكفي أن تعلموا أن هذا الاسم كان وحده كافيًا كي يُقبل الطلاب على القسم بنسب تضاعف الإقبال على الأقسام الأخرى، لأنهم يدرسون هنالك لغات قومية ويدرسون هنا لغة القرآن خطابِ الله إلى كل القوميات.

الخلاصات والاستنتاجات:

إن هذه المواقف الأربعة تسمح بالخلاصات والاستنتاجات التالية التي آمل أن تشكل مداخل رئيسية لإعادة النظر في جهود تعليم اللغة العربية وترجمة معاني القرآن الكريم:

1 - لا تغني ترجمة القرآن الكريم إلى أي لغة عن سعي المسلمين من أهلها إلى تعلم اللغة العربية، لأن قراءة ترجمة معاني القرآن الكريم، لا تعدو أن تكون قراءة في فهم المترجم للقرآن لا لنصه. والترجمة مهما بلغت دقتها لن تنطق بما ينطق به القرآن فعلا. وإن في القرآن الكريم مفاهيم ومصطلحات يعجز المترجمون عن إيجاد مقابلها في ترجمتهم فيخطئ بعضهم في ترجمتها، ويتوقف الآخرون لينقلوها بلفظها نطقا دون ترجمة، وكثير منها يتعلق بعالم الغيب مما لا يسعف المترجم في فهمها إلا إيمانه بالقرآن الكريم كأسماء الله وصفاته والجنة والنار وصفاتهما وعالم الجن والملائكة ومعجزات المرسلين وغير ذلك، مما يبرز الإعجاز القرآني في صورة جديدة دفعت المستشرق الروماني إلى الإيمان بعد جهد كبير وبحث عميق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير