تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2 - إن المنظمات والهيئات الدولية المهتمة بنشر القرآن الكريم، بذلت مجهودات كبيرة في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى جلّ لغات العالم، وعملت على طبعها وتوزيعها، إلا أننا نعتقد أن هذه الجهود ينبغي أن تدعم بنشر تعليم اللغة العربية في صفوف غير الناطقين بها، علمًا بأن الملايين من مسلمي شبه القارة الهندية وبلاد الأتراك، وجنوب شرق آسيا مثلا، يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب دون أن يفقهوا منه حرفا واحدا، ولا أن يكتبوا كلمة واحدة، ومنهم من يقرأ القرآن بالقراءات السبع، ويحفظ الصحيحين، ومع ذلك فهم محرومون من نعمة التدبر والفهم والتفقه، ولذلك سادت بينهم الخرافات والأباطيل المنسوبة إلى الإسلام رغم عنايتهم الفائقة بحفظ القرآن والحديث ولا سبيل لربطهم بالقرآن الكريم فهما وتدبّرا إلا بتعلم اللغة العربية.

3 - إن المسلم الذي لا يملك اللغة العربية يظل متلقيا ومقلدا بإطلاق، ولا يمكنه أن يفهم القرآن الكريم ولا الأحكام الشرعية من مختلف مصادر الفقه الإسلامي إلا بواسطة، ويبقى حاجز اللغة بينه وبين الترجيح بين الفتاوى واختيار الأيسر منها، كما يظل حاجزا بينه وبين التجول الواسع في التراث الإسلامي وقراءته قراءة واعية. وهذه الوضعية هي التي جعلت كثيرا من مسلمي أوروبا رهيني قراءة معينة للإسلام، سواء لجماعة معينة أو لطريقة معينة، دون أن يبذل مجهودا لكسب مساحة واسعة من الحرية في قراءة الإسلام من مصادره الأصلية، والاطلاع على الاجتهادات المختلفة، مع اتخاذ القرار في التمثل والاتباع، ولن تتاح أمامه مثل هذه الفرص إلا بتعلم اللغة العربية.

4 - تفشل خطط تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها لأنها تقدم هذه اللغة في بعدها القومي، فتحصر أهدافها في الاطلاع على الحضارة العربية وعادات وتقاليد شعوبها، ويغيب البعد العالمي لهذه اللغة باعتبارها لغة الوحي المنزل للعالمين، والواقع أن نشر هذه اللغة يتعدى البعد القومي ليكون الهدفُ الأسمى هو الاطلاعَ على تعاليم الإسلام باعتباره دينا هاديا ومخلّصا؛ فاللغة في هذه الحال نافذة الدين ومدخله، وفرق كبير بين أن تَربط لغةً مَا بحضارة قومية معينة، وأن تَربطها بدين ذي أبعاد عالمية يسعى إلى أن ينتشر بين الناس عن طريق الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.

5 - ينبغي أن تكون لغة تدريس مادة التربية الإسلامية في المدارس العربية في البلدان غير الناطقة بالعربية هي اللغةَ العربية، لأن في ذلك فائدتين: أولاهما فهم الإسلام من مصادره الأصلية، والثانية تقوية اللغة العربية. ونحن نعلم أن كثيرا من أبناء الجالية العربية في أوروبا لا يتكلمون اللغة العربية، ورغم ذلك تقدم لهم حصص التربية الإسلامية بلغة أجنبية، فيحرمون من فرصة لا تعوض للتمكن من اللغة العربية.

ينبغي أن تُستثمر الحاجة إلى التدين بالإسلام إلى تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة الوحي تتجاوز البعد القومي بهدف خلق المسلم الحر الذي يحق له أن يبلغ يوما درجة الاجتهاد، أسوة بالعلماء المسلمين غير العرب الذين أسهموا بحظ وافر جاوز حتى العرب أنفسهم في اللغة والحديث والتفسير، وليس مثال سيبويه والبخاري ومسلم وغيرهم عنّا ببعيد.

والخلاصة: أن دعم جهود تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها له أثره البالغ في التعريف بالإسلام ونشره عند أهله من المسلمين غير العرب، ولدى باقي العالمين من غير المسلمين. وسيعزز ذلك كل الجهود المبذولة في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات العالم، شريطة أن ننظر إلى اللغة العربية في بعدها العالمي المستمد من عالمية الإسلام وأن نبذل مجهودات كبرى لننقلها من لغة العرب إلى لغة القرآن.


(*) رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية الإسلامية / المغرب.

منقول من مجلة حراء العدد: 9 (أكتوبر - ديسمبر) 2007:
http://www.hiramagazine.com/archives_show.php?ID=175&ISSUE=9

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[01 Feb 2008, 10:51 م]ـ
مقال رائع وممتع وجميل، وفقكم الله يادكتور خالد، وشكر الله سعيكم يادكتور عبد الرحمن على نقل هذا الموضوع.

ـ[فهد الناصر]ــــــــ[06 Feb 2008, 09:17 ص]ـ
4 - تفشل خطط تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها لأنها تقدم هذه اللغة في بعدها القومي، فتحصر أهدافها في الاطلاع على الحضارة العربية وعادات وتقاليد شعوبها، ويغيب البعد العالمي لهذه اللغة باعتبارها لغة الوحي المنزل للعالمين، والواقع أن نشر هذه اللغة يتعدى البعد القومي ليكون الهدفُ الأسمى هو الاطلاعَ على تعاليم الإسلام باعتباره دينا هاديا ومخلّصا؛ فاللغة في هذه الحال نافذة الدين ومدخله، وفرق كبير بين أن تَربط لغةً مَا بحضارة قومية معينة، وأن تَربطها بدين ذي أبعاد عالمية يسعى إلى أن ينتشر بين الناس عن طريق الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن.

الله أكبر.
مقال بديع جزاكم الله خيراً على نقله لنا.
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير