23 - اختلف العلماء سلفاً وخلفاً في بيع المصاحف وشرائها , فذهب البعض إلى كراهة بيعها وشرائها تعظيماً لها وتكريماً , لما في تداولها بالبيع والشّراء من الابتذال , وهو قول المالكيّة وقول للشّافعيّة , ورويت كراهية بيعها عن ابن عمر وابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهم وسعيد بن جبيرٍ وإسحاق والنّخعيّ , قال ابن عمر: وددت أنّ الأيدي تقطع في بيعها , وورد عن عبد اللّه بن شقيقٍ أنّه قال: كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يشدّدون في بيع المصاحف.
وذهب بعض السّلف إلى إجازة بيعها , منهم محمّد بن الحنفيّة , والحسن , وعكرمة , والشّعبي , لأنّ البيع يقع على الورق والجلد وبدل عمل يد الكاتب , وبيع ذلك مباح , قال الشّعبي: لا بأس ببيع المصحف , إنّما يبيع الورق وعمل يديه.
وفرّق الشّافعيّة في الأصحّ - ونقلوه عن نصّ الشّافعيّ - والحنابلة في معتمدهم بين البيع والشّراء , فكرهوا البيع - وفي روايةٍ عند الحنابلة يحرم ويصح - وأجازوا الشّراء والاستبدال , وروي عن ابن عبّاسٍ قال: اشتر المصاحف ولا تبعها , ووجه ذلك أنّ في البيع ابتذالاً بخلاف الشّراء , ففيه استنقاذ المصحف وبذل للمال في سبيل اقتنائه وذلك إكرام , قالوا: ولا يلزم من كراهة البيع كراهة الشّراء , كشراء دور مكّة ورباعها , وشراء أرض السّواد , لا يكره , ويكره للبائع.
إجارة المصحف:
24 - ذهب الحنفيّة والحنابلة وابن حبيبٍ من المالكيّة إلى عدم جواز إجارة المصحف.
أمّا الحنفيّة فعلّة المنع عندهم أنّه ليس في القراءة في المصحف أكثر من النّظر إليه , ولا تجوز الإجارة لمثل ذلك , كما لا يجوز أن يستأجر سقفاً لينظر إلى ما فيه من النقوش أو التّصاوير , أو يستأجر كرماً لينظر فيه للاستئناس من غير أن يدخله , ومن أجل ذلك لا تجوز عندهم أيضاً إجارة سائر الكتب.
وأمّا الحنابلة في الوجه المعتمد عندهم فقد بنوا تحريم إجارته على تحريم بيعه , قالوا: ولما في إجارته من الابتذال له.
وأمّا ابن حبيبٍ فقد منع إجارته على الرّغم من أنّه يرى جواز بيعه , لأنّ الأجرة تكون كالثّمن للقرآن , أمّا بيعه فهو ثمن للورق والجلد والخطّ.
وذهب المالكيّة إلى جواز إجارة المصحف للقراءة فيه , قالوا: ما لم يقصد بإجارته التّجارة , وإلا كرهت.
ووجه الجواز عندهم أنّه نفع مباح تجوز الإعارة فيه , فجازت فيه الإجارة كسائر الكتب الّتي يجوز بيعها.
رهن المصحف:
25 - القاعدة: أنّ ما جاز بيعه جاز رهنه , وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه , ولذا يصح رهن المصحف عند كلّ من جوّز بيعه , لأنّه يمكن بيعه واستيفاء الدّين من ثمنه , وأمّا من لم يجوّز بيعه فلا يجوز عنده رهنه لعدم الفائدة في ذلك , وهو المعتمد عند الحنابلة نصّ عليه أحمد.
وقف المصحف:
26 - يجوز وقف المصاحف للقراءة فيها عند محمّد بن الحسن , استثناءً من عدم جواز وقف المنقولات لجريان التّعارف بوقف المصاحف , وإلى قوله هذا ذهب عامّة مشايخ الحنفيّة وعليه الفتوى عندهم , وهو مقتضى قول غيرهم بجواز وقف المنقولات.
وذهب أبو حنيفة إلى عدم جواز وقفها كسائر المنقولات غير آلات الجهاد.
ثمّ إن وقفه على مسجدٍ معيّنٍ يجوز , ويقرأ به في هذا المسجد خاصّةً , نصّ عليه الحنفيّة , وفي قولٍ عندهم: لا يكون مقصوراً على هذا المسجد بعينه.
إرث المصحف:
27 - يورث المصحف على القول المفتى به عند الحنفيّة وهو مقتضى قواعد غيرهم من أنّ كلّ مملوكٍ يورث عن مالكه.
وفي قولٍ عندً الحنفيّة: لا يورث , وهو قول النّخعيّ , فلو كان للميّت ولدان أحدهما قارئ والآخر غير قارئٍ , يعطى المصحف للقارئ.
القطع بسرقة المصحف:
28 - ذهب الحنفيّة , وهو قول أبي بكرٍ والقاضي أبي يعلى من الحنابلة إلى أنّ سارق المصحف لا يقام عليه الحد , قال ابن عابدين: لأنّ آخذه يتأوّل في أخذه القراءة والنّظر فيه , ولأنّه لا ماليّة له لاعتبار المكتوب فيه وهو كلام اللّه تعالى , وهو لا يجوز أخذ العوض عنه , وإنّما يقتنى المصحف لأجله , لا لأجل أوراقه أو جلده.
¥