ويسري ذلك عند الحنفيّة على ما على المصحف من الحلية لكونه في حكم التّابع له , وللتّابع حكم المتبوع , كمن سرق صبياً عليه ثياب قيمتها أكثر من نصابٍ فلا يقطع بها , لأنّها تابعة للصّبيّ ولا قطع في سرقته , وفي الفتاوى الهنديّة نقل عن السّراج الوهّاج: لا قطع في سرقة المصحف ولو كان عليه حلية تساوي ألف دينارٍ.
واختار أبو الخطّاب , وهو ما استظهره ابن قدامة من كلام الإمام أحمد إلى أنّه يقطع بسرقة المصحف , لعموم آية السّرقة , ولأنّه متقوّم تبلغ قيمته نصاباً فوجب القطع بسرقته , ككتب الفقه والتّاريخ وغيرها.
منع الكافر من تملك المصحف والتّصرف فيه:
29 - لا يجوز أن يشتري الكافر مصحفاً , لما في ذلك من الإهانة فإن اشتراه فالشّراء فاسد , واحتجّ الفقهاء لذلك بحديث ابن عمر: «نهى النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن تناله أيديهم».
والشّافعيّة يرون حرمة بيع المصحف للكافر , لكن إن باعه له ففي صحّة البيع عندهم وجهان:
أظهرهما: لا يصح البيع , والثّاني: يصح ويؤمر في الحال بإزالة ملكه عنه.
قال القليوبي: ولو وكّل الكافر مسلماً بشراء مصحفٍ لم يصحّ لأنّ الملك له يقع , ولو وكّل المسلم كافراً بالشّراء صحّ لأنّه يقع للمسلم , وكذا لو قارض مسلم كافراً فاشترى الكافر مصحفاً للقراض صحّ , لأنّه للقراض , ولا ملك للمضارب فيه.
ولا تصح هبة الكافر مصحفاً ولا الوصيّة له به.
ولا يصح وقف المصحف على كافرٍ.
ويحرم أن يعطي كافراً مصحفاً عاريّةً ليقرأ فيه ويردّه , ولا تصح الإعارة , وقال الرّملي: تصح الإعارة فيه مع الحرمة.
مس الكافر المصحف وعمله في نسخ المصاحف وتصنيعها:
30 - يمنع الكافر من مسّ المصحف , كما يمنع منه المسلم الجنب , بل الكافر أولى بالمنع , ويمنع منه مطلقاً , أي سواء اغتسل أو لم يغتسل , وفي الفتاوى الهنديّة: أنّ أبا حنيفة قال: إن اغتسل جاز أن يمسّه , وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأبى يوسف المنع مطلقاً.
ويمنع الكافر من العمل في تصنيع المصاحف , ومن ذلك ما قال القليوبي: يمنع الكافر من تجليد المصحف وتذهيبه , لكن قال البهوتيّ: يجوز أن ينسخ الكافر المصاحف دون مسٍّ أو حملٍ.
السّفر بالقرآن إلى أرض العدوّ:
31 - لا يجوز أن يخرج المسلم بالمصحف إلى بلد العدوّ الكافر , سواء كان في جهادٍ أو غيره , لئلا يقع في أيديهم فيهينوه أو يمسوه وهم على كفرهم , وإلى هذا ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة , لحديث ابن عمر رضي اللّه عنهما مرفوعاً: «لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدوّ مخافة أن تناله أيديهم».
قال ابن عبد البرّ من المالكيّة: أجمع الفقهاء أن لا يسافر بالمصحف في السّرايا والعسكر الضّعيف المخوف عليه.
أمّا إن كان يؤمن على المصحف في ذلك السّفر من نيل العدوّ له فقد اختلف الفقهاء في ذلك , فأجاز الحنفيّة السّفر به , وذكروا من ذلك صورتين:
الأولى: أن يكون الخارج به في جيشٍ كبيرٍ يؤمن عليه فلا كراهة حينئذٍ.
الثّانية: إذا دخل إليهم مسلم بأمان , وكانوا يوفون بالعهد , جاز أن يحمل المصحف معه. وقال المالكيّة: يحرم أيضاً لنصّ الحديث ولو في جيشٍ آمنٍ , لأنّه قد يسقط منهم ولا يشعرون به فيأخذه العدو فتناله الإهانة , وقال المالكيّة أيضاً: ولو أنّ العدوّ طلب أن يرسل إليهم مصحف ليتدبّروه , حرم إرساله إليهم خشية إهانتهم له , فلو أرسل إليهم كتاب فيه آية أو نحوها لم يحرم ذلك , وقد أرسل النّبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى هرقل كتاباً في ضمنه الآية: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً} الآية.
استثناء المصحف من جزاء الغالّ بحرق متاعه:
¥