تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الإمام أحمد: حدثنا أنس بن عياض، حدثنا أبو حازم عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حُمر النَّعم، أقبلت أنا وأخي وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حَجْرَة، إذ ذكروا آية من القرآن، فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُغْضَبًا حتى احمر وجهه، يرميهم بالتراب، ويقول: "مهلا يا قوم، بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، بل يصدّق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمِه".

وهكذا رواه أيضا عن أبي معاوية، عن داود بن أبي هند، عن عَمْرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، والناس يتكلمون في القدر، فكأنما يُفْقَأ في وجهه حب الرُّمان من الغضب، فقال لهم: "ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم". قال: فما غبطت نفسي بمجلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أشهده ما غبطت نفسي بذلك المجلس، أني لم أشهده.

ورواه ابن ماجه من حديث داود بن أبي هند، به نحوه.

وقال أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا حماد بن زيد، عن أبي عمْران الجَوْني قال: كتب إلي عبد الله بن رَبَاح، يحدث عن عبد الله بن عمرو قال: هَجَّرتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، فإنا لجلوس إذ اختلف اثنان في آية، فارتفعت أصواتهما فقال: "إنما هلكت الأمم قبلكم باختلافهم في الكتاب" ورواه مسلم والنسائي، من حديث حماد بن زيد، به."أهـ

وقال ابن الجوزي:

"قوله تعالى: {منه آيات محكمات} المحكم: المتقن المبيّن، وفي المراد به هاهنا ثمانية أقوال. أحدها: أنه الناسخ، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة، والسدي في آخرين. والثاني: أنه الحلال والحرام، روي عن ابن عباس، ومجاهد. والثالث: أنه ما علم العلماء تأويله. روي عن جابر بن عبد الله. والرابع: أنه الذي لم ينسخ، قاله الضحاك. والخامس: أنه مالم تتكرر ألفاظه، قاله ابن زيد. والسادس: أنه ما استقل بنفسه، ولم يحتج إلى بيان، ذكره القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد. وقال الشافعي، وابن الأنباري: هو ما لم يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً، والسابع: أنه جميع القرآن غير الحروف المقطعة. والثامن: أنه الأمر والنهي، والوعد والوعيد، والحلال والحرام، ذكر هذا والذي قبله القاضي أبو يعلى. وأم الكتاب أصله. قاله ابن عباس، وابن جبير، فكأنه قال: هن أصل الكتاب اللواتي يعمل عليهن في الأحكام، ومجمع الحلال والحرام. وفي المتشابه سبعة أقوال. أحدها: أنه المنسوخ، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة، والسدي في آخرين. والثاني: أنه ما لم يكن للعلماء إلى معرفته سبيل، كقيام الساعة، روي عن جابر بن عبد الله. والثالث: أنه الحروف المقطعة كقوله: «ألم» ونحو ذلك، قاله ابن عباس. والرابع: أنه ما اشتبهت معانيه، قاله مجاهد. والخامس: أنه ما تكررت ألفاظه، قاله ابن زيد. والسادس: أنه ما احتمل من التأويل وجوهاً. وقال ابن الأنباري: المحكم ما لا يحتمل التأويلات، ولا يخفى على مميّز، والمتشابه: الذي تعتوره تأويلات. والسابع: أنه القصص، والأمثال، ذكره القاضي أبو يعلى. فإن قيل: فما فائدة إنزال المتشابه، والمراد بالقرآن البيان والهدى؟ فعنه أربعة أجوبة. أحدها: أنه لما كان كلام العرب على ضربين. أحدهما: الموجز الذي لا يخفى على سامعه، ولا يحتمل غير ظاهره. والثاني: المجاز، والكنايات، والإشارات، والتلويحات، وهذا الضرب الثاني هو المستحلى عند العرب، والبديع في كلامهم، أنزل الله تعالى القرآن على هذين الضربين، ليتحقق عجزهم عن الإتيان بمثله، فكأنه قال: عارضوه بأي الضربين شئتم، ولو نزل كله محكماً واضحاً، لقالوا: هلا نزل بالضرب المستحسن عندنا. ومتى وقع في الكلام إشارة أو كناية، أو تعريض أو تشبيه، كان أفصح وأغرب.

قال امرؤ القيس:

وما ذرفت عيناك إلا لنضر بي ... بسهميك في أعشار قلب مقتَّل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير