تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْىِ فَقَالَ فِى حَدِيثِهِ: «فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِى إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِى فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِى جَاءَنِى بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِىٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ " فيمكن أن يقال في جواب ذلك:

لعل جابراً ـ رضي الله عنه ــ أراد أول سورة نزلت كاملة؛ لأن سورة اقرأ نزلت إلى قوله (عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق:5)،ثم نزلت المدثر كاملة قبل تمام اقرأ.

ويمكن أن يقال: إنه نبئ بإقرأ، وأرسل بالمدثر، فمراده أول سورة في الإرسال.

ويمكن أن يقال: إنه أراد أول ما نزل بعد فترة الوحي؛ إذ الوحي نزل قبل ذلك بنص هذا الحديث.

ويدل على ذلك أيضاً قوله في الحديث: " فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء" إذاً فهو قد جاءه بحراء أول مرة فنزل بإقرأ، ثم جاء الثانية فنزل بالمدثر. فهذان شاهدان من نفس الحديث على أن يا أيها المدثر ليست أول ما نزل.

والجواب الرابع أن يقال: لعل ذلك قاله جابر رضي الله عنه اجتهاداً منه، والاجتهاد يصيب ويخطئ.

وهنا إشكال آخر يحتاج إلى جواب، وهو ما أخرجه البخاري (4993) عنَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ " إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ " وسورة (اقرأ) ليس فيها ذكر الجنة والنار.

فالجواب: أن أحسن ما يجاب به في هذه المسألة أن (مِن) مقدرة، يعني: إن من أول ما نزل، أي أنها تريد ابتداء نزول الوحي، ولا تريد أن تقرر أن أول سورة نزلت من القرآن بإطلاق هي تلك السورة، وإنما تريد أن تبين تدرج التشريع، فيفهم هذا من السياق، والله تعالى أعلم، وإلا فمعلوم أن ذكر الجنة والنار في آخر سورة المدثر.

ولهذا يمكن أن يقال ــ والله تعالى أعلم ــ إن أول ما نزل سورة اقرأ، لكنها لم تنزل كاملة، ثم بعد ذلك نزلت سورة المدثر وفيها ذكر الجنة والنار، ثم بعد ذلك بزمن الله أعلم به نزلت بقية سورة اقرأ.

وأما الأقوال الأخرى ـ سوى هذين ـ فهي أقوال ضعيفة.

أول ما نزل باعتبار موضوع خاص:

إذا عرفت أول ما نزل مطلقا، فهناك أوائل نسبية تتعلق بموضوعات معينة:

فمن ذلك؛ ما صح عن ابن عباس ــ رضي الله عنهما ــ أن أول آية نزلت في القتال هي قوله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) (الحج: من الآية39).

وكذلك أول آية نزلت في الخمر؛ فقد صح عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شفاء، فنزلت التي في البقرة (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) (البقرة: من الآية219) فدُعي عمر فقُرأت عليه، قال اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء، فنزلت التي في النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) (النساء: من الآية43) فدُعي عمر فقُرأت عليه، ثم قال: اللهم بين لنا في الخمر بيان شفاء .. فنزلت التي في المائدة (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة:91) فدُعي عمر فقُرأت عليه فقال: " انتهينا انتيهنا " أخرجه الترمذي (3049، والنسائي 5540)

فهذه آخر آية نزلت في الخمر، وأول آية نزلت فيه هي (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ).

ومن ذلك: أن أول سورة نزلت فيها سجدة هي: سورة النجم؛ كما في البخاري (4863) عن ابن مسعود رضي الله عنه.

و بإسناد حسن عن مجاهد في قوله (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ) (التوبة: من الآية25) قال هي أول ما نزل من سورة براءة، ومعلوم أن سورة براءة من آخر ما نزل من القرآن.

وأيضا صح عن أبي الضحى قال: أول ما نزل من براءة (انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً) (التوبة: من الآية41) ثم نزل أولها، ثم نزل آخرها، فهذه عن بعض التابعين ولها حكم المرسل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير