وكذلك: أول من نزل من آل عمران، فقد صح عن سعيد بن جبير قال: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:138)، ثم أُنزلت بقيتها يوم أحد.
هذه بعض الروايات الصحيحة الثابتة في تحديد أول ما نزل في موضوع معين، أوفي سورة معينة، وهناك روايات كثيرة جداً، لكن هذه الروايات في أغلبها لا تصح فتركتها. ولا أُورد في هذه المواضيع إلا رواية صحيحة أو حسنة إلا إذا بينت ضعفها.
بيان آخر ما نزل على الإطلاق:
أخرج البخاري (4544) عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: آخر آية نزلت آية الربا.
وصح عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا عمر فقال: إن من آخر القرآن نزولاً آية الربا" وهذا وإن كان ليس قاطعا؛ لقوله: "إن من آخر القرآن نزولا" لكن عندنا روايات صريحة أنها آخر ما نزل.
وأيضا صح عن ابن عباس قال: آخر شيء نزل من القرآن (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) (البقرة: من الآية281) الآية.
وصح عن ابن شهاب الزهري ــ وهو من صغار التابعين ــ قال: آخر القرآن عهداً بالعرش آية الربا وآية الدين.
فكيف نجمع بين هذه الأقوال؟
نستطيع أن نجمع بين هذه الروايات الصحيحة المشهورة، بأن يقال: هذه الآيات متتابعة في المصحف كما هو معروف، والقصة واحدة، فهي نزلت جملة واحدة، فأخبر كل عن بعض ما نزل بأنه آخر ما نزل، فيصح بهذا الاعتبار إذا تحدثت عن آية منها أن تقول هي آخر ما نزل من القرآن، فنقول آية الدين آخر ما نزل ـ بهذا الاعتبار ـ، ويصح أن نقول آية الربا آخر نزل، ويصح أن نقول آية (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) (البقرة: من الآية281) آخر ما نزل لأنها نزلت جملة واحدة، فلا إشكال، فهذا هو وجه الجمع بين هذه الروايات الصحيحة المشهورة في آخر ما نزل.
وقد صح عن البراء رضي الله عنه كما أخرج الشيخان: قال آخر ما نزل: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) (النساء: من الآية176) فهذا يشكل على ما سبق، ويمكن الجمع بين حديث البراء ـ رضي الله عنه ــ وبين ما قبله من أن الآيات الثلاث هي آخر ما نزل بعدة أجوبة:
فإما أن يقال: إن هذا اجتهاد من البراء ـ رضي الله عنه ــ فقال بحسب ما أدّاه اجتهاده. وبحسب ما علم.
أو يقال: يمكن أن تكون هذه الآية أيضا نزلت في ذلك الوقت، فتكون هي فعلا أيضاً في حكم تلك الآيات، و هي آخر ما نزل.
ويمكن أن يقال: هي آخر ما نزل باعتبار موضوع خاص، وهو المواريث، أي أنها آخر ما نزل في المواريث فقط.
ويمكن أن يقال: إن كل واحد من هؤلاء سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أيامه أنه نزل عليه شيء من هذه الآيات، ولم يعلم بنزول ما بعدها، فحكم على هذا بأنه آخر ما نزل، والله تعالى أعلم.
وقد جاء بإسناد حسن عن عائشة رضي الله عنها قالت: (آخر سورة نزلت المائدة فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه) فهل هذا يشكل على ما سبق؟
الجواب: لا،لأنها تتكلم عن السور، فسورة المائدة لا شك أنها آخر ما نزل، وإن لم تكن نزلت كاملة.
وجاء أيضا بإسناد حسن عن عبد الله بن عمروبن العاص قال: (آخر سورة نزلت سورة المائدة والفتح) يعني (إذا جاء نصر الله والفتح) وليست (إنا فتحنا لك)، فأما سورة (إذا جاء نصر الله والفتح) فيمكن أن يقال: هي آخر سورة نزلت كاملة، ولهذا استنبط منها ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنها نعي للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نعيت إليه نفسه عليه الصلاة والسلام.
فالحاصل أنه يجاب عن هذه الروايات بمثل ما سبق، والعلم عند الله تبارك وتعالى.
وليس في هذا شيء مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيمكن أن تكون هذه اجتهادات من الصحابة، ويمكن أن يكون كل إنسان حدَّث بحسب ما شاهد وظن أنه فعلاً آخر ما نزل.
¥