تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قول السيوطي: (أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفرداً أو مركباً قبل الإعراب فإنه فرع المعنى، ولهذا لا يجوز إعراب فواتح السور إذا قلنا بأنها المتشابه الذي استأثر الله بعلمه): نقول: وكذا يضاف إلى عدم جواز إعرابها قول من قال: إنها حروف؛ لأن الحروف لا معنى لها ولا تعرب, والقول (بأنها من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه) أضعف الأقوال والدليل: أن السلف تكلموا فيها، ولو كانت مما استأثر الله بعلمه لما تكلم فيها الصحابة والتابعون, أما لو قال قائل: أنا بالنسبة لي فأقول الله أعلم بها. فنقول: هذا نظر نسبي, والنظر النسبي لا يخَالف فيه. أما أن يقول: لا يجوز لأحد أن يتكلم فيها، أو لا يعلم أحد معناها، أو أن الله استأثر بعلمها = فهذا كأن فيه طعنًا في كلام السلف في هذه كونهم تكلموا فيما استأثر الله بعلم، وليس الأمر كذلك.

والأقرب عندي أنها حروف لا معنى لها (2) , وأما ما ينسب إلى الخلفاء الأربعة أنه مما استأثر الله بعلمه فهذا لم يثبت، وليس فيه أثر صحيح عنهم أبدًا, وكذلك يحمل كلام الشعبي وغيره ممن قال أنها مما استأثر الله بعلمه فيحمل مراده على أن وجود هذه الأحرف في هذه السورة على هذه الصورة، ولا شك أن هذا من العلم الذي استأثر الله بعلمه لكن لا علاقة له بالمعنى، وفرق بين الحِكمة من الشيء وبين معناه فنحن نتكلم عن المعاني ولسنا نتكلم عن الحِكَم, وإن جئنا إلى الحِكَم لقلنا: من الحِكَم التي تكاد تتواطأ عليها أقوال العلماء أن هذه الأحرف جيء بها للإعجاز والتنبيه على التحدي من الله, ولا يمكن القول إن لها معاني مخصوصة؛ لأن هذا سيفتح لنا باباً يستحيل معه أن يوصل إلى المعنى الصحيح.

• قال السيوطي: (الخامس: أن يستوفي جميع ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة فتقول في نحو ((سبح اسم ربك الأعلى)) .... ) نقول: كما قررنا سابقًا أن المعرب ينطلق من المعنى فننظر الآن هل المراد هنا تسبيح الاسم أم تسبيح الرب؟ أي: هل المراد سبح ربك الأعلى أو سبح الاسم وهو الأعلى؟

الصواب أن المراد تسبيح الرب؛ والقول الثاني الذي ذكره ـ كون الاعلى صفة للاسم ـ أضعف من القول الأول، والمراد سبح ربك الموصوف بالأعلى, ولا يمكن تسبيح الرب بدون ذكر اسمه؛ لذا جاء النظم بهذه الصورة (سبح اسم ربك الأعلى).

و (الأعلى) هو الذي بلغ الكمال في العلو و (أفعل) في هذا المقام لا يلزم منها التفضيل, وإنما للدلالة على بلوغ الكمال في العلو, والعلو يشمل كما ذكر أهل السنة علو المكان لأن الله فوق العالم, وعلو القدر وعلو القهر.

• قال السيوطي: (السابع: أن يراعي في كل ترتيب ما يشاكله، فربما خرج كلاماً على شيء ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه ... ) هذا القول عند التأمل يندرج تحت تفسير القرآن بالقرآن أو النظائر القرآنية؛ لأن مراده هنا حينما نفسر كلمة أو لفظة ننظر إلى ورود هذه الأسلوب في مكان آخر في القرآن، فقد يدلنا على صحة أحد الأعاريب المختلَف فيها, ثم قال السيوطي –رحمه الله-: (ومن ثم خطئ من قال في ((ذلك الكتاب لا ريب فيه)) أن الوقف على (ريب) و (فيه) خبر (هدى) .... ) هذا الإعراب ضعيف، ولا يمكن أن تفصل (فيه) عن (لا ريب)، وإذا كان عندنا شبهة في الفصل في هذا الموضع، فإن الموطن الآخر من قوله تعالي في سورة السجدة: ((تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين)) ليس فيه شبهة؛ لأنه لا يمكن أن تفصل (فيه) عن (لا ريب) في هذا السياق فدل على أن (فيه) من قوله: ((ذلك الكتاب لا ريب فيه)) صلة لـ (لا ريب) أي خبرٌ له, وبناء على هذا التضعيف هنا يضعف ما يحكى في هذا الموطن من وقف التعانق, وإنما الصواب أن يجعل الوقف على (فيه) , والمعنى هو هدى للمتقين, ومن أسباب ضعف هذا القول أنه إذا احتمل الكلام التقدير والإثبات فيقدم الإثبات على التقدير, فكون (فيه) الظاهرة هي خبر (لا) أولى من تقدير خبر لها؛ لأنه ينبني عليه أن نقدر (فيه) مرة أخرى قبل (هدى) , ويكون تقدير الكلام: (ذلك الكتاب لا ريب فيه، فيه هدى للمتقين).

وكذلك يُضعفه كون الوقف على (لا ريب) مشعرًا بأن الكتاب فيه هدى بخلاف الوقف على (فيه) فهو مشعر بأن الكتاب كله هدى, إذن نقول (لا ريب فيه) ثم نقول (هدى للمتقين) فهذا يشمل المعنى المذكور في الإعراب الأول على أن (فيه) الظاهرة خبر فهو أولى.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير