• قال السيوطي: (الثامن: أنه يراعي الرسم) الرسم محكَّم في الاختلاف؛ ولهذا قال: (ومن ثم خطئ من قال في (سلسبيلاً) إنها جملة أمرية: أي سل طريقاً موصلة إليها، لأنها لكانت كذلك لكتبت مفصولة) فتقول: ((عينا فيها تسمى)) ثم تقف, ثم تقول: (سلسبيلا) يعني: (سل) من السؤال, وخطأنا هذا القائل؛ لأن قوله تعالى: (سلسبيلا) كلمة واحدة, ولو كانت كما قال لكانت (سل) منفصلة ومنفردة عن (سبيلا).
مثال آخر لم يذكره السيوطي لكن نضيفه لوضوحه: ((سنقرئك فلا تنسى)) بعض المفسرين قال: إن (لا) هنا ناهية, والفاصل بين أن تكون نافية وناهية النظر في الرسم, فهل الصحابة أثبتوا ألفا مقصورة أم حذفوها, فلو رجعنا إلى المصحف نجد أنهم اثبتوا الألف المقصورة , فلو كانت كتابتهم (فلا تنس) لقلنا: أن (لا) ناهية, فدل الرسم على أن (لا) هنا نافية لإثباتهم الألف المقصورة في (تنسى).
قال السيوطي: (الثاني عشر: أن يجتنب إطلاق لفظ الزائد في كتاب الله تعالى)
طرح السيوطي قضية الزائد طرحاً موفقاً، فمن كره التعبير بالزائد من باب التأدب مع كتاب الله سبحانه وتعالى= فإنه يُحمد له هذا التأدب , لكن من أطلق من العلماء الزيادة فنقول: لا يخلو كلامه من احتمالين:
1 ـ أن يريد أنها زائدة في المبنى والمعنى أي زيادة لا يحتاج إليها المعنى, وهذا وقع فيه أبو عبيدة في (مجاز القرآن) في أمثلة قليلة كما في قوله: ((وإذ قال ربك)) مجازه (قال ربك) و (إذ) زائدة, وكذلك في قوله: ((كما أخرجك ربك)) وغيرها من الأمثلة, وهذا غير سديد إطلاقا, وإطلاق الزيادة في المعنى في مثل هذه الأمثلة محال في كتاب الله، فلا يمكن أن يوجد شيء في كتاب الله زائد في المبنى وليس له معنى.
2 ـ أما من قال بالزيادة، فهو ينظر أحيانا إلى الإعراب, وأحيانا إلى المعنى العام, وأحيانا يشترك الإعراب والمعنى العام, مثاله قوله تعالى: ((هل من خالق غير الله)) عندما نرجع إلى جملة ما قاله المعربون وأن (من) زائدة للتوكيد أو يقولون: مقحمة أو صلة وهو من باب تلطيف العبارة, فما الفرق بينها وبين (هل خالق غير الله) من جهة المعنى العام نقول: المؤدى واحد في المعنى العام، لكن (هل من خالق) أقوى في النفي فـ (من) صار لها دلالة, فمنهم من نظر إلى الزيادة من جهة الإعراب أو من جهة المعنى العام فعبر بالزيادة، ولا يصح أن يُعترض عليه ما دام يثبت معنى لما يقول بأنه زائد. ونقول إن كان هناك مصطلح يعبر عن الزيادة غير هذا اللفظ فهو أولى وأحب؛ ولهذا كان الطبري يذهب إلى معنى الصلة فيقول: صلة في الكلام ويبتعد عن لفظ الزيادة, وبعض المعاصرين -حفظهم الله- شنعوا على موضوع الزيادة وشددوا فيه من حيث اللفظ, وأقول هنا: يحسن أن ننتبه دائما عندما نناقش مثل هذه القضايا أن أمامنا كتاب الله فنحن حريصون جدا على أن ننفي عنه كل شيء يدل على ما لا يحسن مثل لفظ الزيادة, وعندنا عقول علماء سبقونا نطقوا بهذا الكلام ونحن نعلم ما عندهم من الورع والتقى والحرص على صيانة كتاب الله, فنحن أمام جانبين: جانب التأدب مع العلماء من جهة وجانب التأدب مع كتاب الله, ولا شك أن كتاب الله أولى ومقدم لكن إن استطعنا تخريج كلام العلماء فهو أولى, ونقول قد عبَّر فلان بهذا والأولى لو عبر بكذا, فنكون قد حفظنا حق علمائنا من جهة وتأدبنا معهم, وكذلك حفظنا حق كتاب ربنا وتأدبنا معه, فأرى أن هذا أولى من التشنيع إلا إذا وقع العلماء في خطأ كأن يرى أنها زائدة معنى فلا شك أن هذا خطأ لا يغتفر ويرد على صاحبه, ويغفر الله لمن قاله, هذا باختصار فيما يتعلق بمصطلح الزيادة.
ومثل هذا مصطلح السجع هل يقع في القرآن أم لا؟ نقول: السجع مصطلح حسنه حسن وقبيحه قبيح فإذا كان السجع الحسن واردا في الكلام ويسمى سجعا فما المانع أن يقال إن في كتاب الله سجعا, فلا أرى أن هناك أي مانع ولا خلل وهو السجع المحمود, لكن إن كان السجع المذموم كما في سجع الكهان الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فهذا قطعا لا يوجد في كتاب الله ولا في كلام الرسول ولا كلام الصحابة والتابعين ولا كلام البلغاء، فالسجع الذي هو حشو في الكلام لا يوجد إلا عند العيي الذي لا يستطيع أن يفصح، فيحتاج إلى أن يرتب هذه السجعات مثل ما يقع من الكهان فالكاهن يريد أن يلبس على الناس وأن يعطيهم بعض الألفاظ التي تشدهم
¥